للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• وكانَتْ وفاتُهُ - صلى الله عليه وسلم - في يومِ الاثنينِ في شهرِ ربيعٍ الأوَّل بغيرِ خلافٍ، وكانَ - صلى الله عليه وسلم - قد كَشَفَ السِّترَ في ذلكَ اليومِ والنَّاسُ في صلاةِ الصُّبحِ خلفَ أبي بَكْرٍ، فهَمَّ المسلمونَ أنْ يُفْتَتَنوا مِن فرحِهِم برؤيتِهِ - صلى الله عليه وسلم - حينَ نَظَروا إلى وجهِهِ كأنَّهُ ورقةُ مصحفٍ، وظَنُّوا أنَّهُ يَخْرُجُ للصَّلاةِ، فأشارَ إليهِم أنْ مكانكم، ثمَّ أرْخى السِّترَ، وتُوُفِّيَ - صلى الله عليه وسلم - مِن ذلكَ اليومِ (١).

وظَنَّ المسلمونَ أنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - قد بَرِئَ مِن مرضِهِ لمَّا أصْبَحَ يومَ الاثنينِ مفيقًا، فخَرَجَ أبو بَكْرٍ إلى منزلهِ بالسُّنْح خارجَ المدينةِ، فلمَّا ارْتَفَعَ الضُّحى مِن ذلكَ اليومِ؛ تُوُفِّيَ - صلى الله عليه وسلم -. وقيلَ: تُوُفِّيَ حينَ زاغتِ الشَّمسُ. والأوَّل أصحُّ؛ أنَّهُ تُوُفِّيَ حينَ اشْتَدَّ الضُّحى مِن يومِ الاثنينِ في مثلِ الوقتِ الذي دَخَلَ فيهِ المدينةَ حينَ هاجَرَ إليها.

واخْتَلَفوا في تعيينِ ذلكَ اليومِ مِن الشَّهرِ: فقيلَ: كانَ أوَّلَهُ. وقيلَ: ثانيَهُ. وقيلَ: ثانيَ عشرِهِ. وقيلَ: ثالثَ عشرِهِ. وقيلَ: خامسَ عشرِهِ. والمشهورُ بينَ النَّاسِ أنَّهُ كانَ ثانيَ عشرَ ربيعٍ الأوَّل.

وقد رَدَّ ذلكَ السُّهَيْلِيُّ وغيرُهُ بأنَّ وقفةَ حجَّةِ الوداعِ في السَّنةِ العاشرة كانَتِ الجمعةَ، وكانَ أوَّل ذي الحِجَّةِ فيها الخميسُ، ومتى كانَ كذلكَ؛ لمْ يَصِحَّ أنْ يَكونَ يومُ الاثنينِ ثانيَ عشرَ ربيعٍ الأوَّل، سواء حُسِبَتِ الشُّهورُ الثَّلاثةُ - أعني: ذا الحِجَّةِ ومحرَّمًا وصفرًا - كلُّها كاملةً أو ناقصةً، أو بعضُها كاملةً وبعضُها ناقصةً.

ولكنْ أُجيبَ عن هذا بجوابٍ حسنٍ، وهوَ أن ابنَ إسْحاقَ ذَكَرَ أن النَّبيَّ


= القاسم المتّهم المتروك. ومعلوم أنّ هذه الطرق لا تستفيد باجتماعها قوّة. والثانية: أنّهم اختلفوا فيه على جعفر فقالوا مرّة: عن جعفر عن أبيه معضلًا، ومرّة: عن جعفر عن أبيه عن عليّ بن الحسين مرسلًا، ومرّة: عن جعفر عن أبيه عن جابر بن عبد الله، ومرّة: عن جعفر عن أبيه عن عليّ عن الحسين، ومرّة: عن جعفر عن أبيه عن عليّ عن الحسين عن علي بن أبي طالب … وغير ذلك من أوجه الاختلاف. والثالثة: أنّهم اختلفوا في المتن أيضا اختلافا يطول تفصيله. والرابعة: أنّ في المتن نكارة من أوجه كثيرة ومخالفة للأحاديث الصحيحة. ومع هذا كلّه فقد ذكر البيهقي في "الدلائل" (٧/ ٢١٠ و ٢٦٩) له طريقًا أخرى وشاهدًا قوّاه بهما، وفي كلّ منهما متّهم! فلا الشاهد يغني عن المشهود له، ولا المشهود له أهل للشهادة، وما تواطأ المتّهمون والمتروكون على حديث وأعرض عنه الثقات إلّا كان موضوعًا مصنوعًا.
(١) رواه: البخاري (١٠ - الأذان، ٤٦ - أهل العلم والفضل أحقّ بالإمامة، ٢/ ١٦٤/ ٦٨٠)، ومسلم (٤ - الصلاة، ٢١ - استخلاف الإمام، ١/ ٣١٥/ ٤١٩)؛ من حديث أنس.

<<  <   >  >>