للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ورَوَى السُّدِّيُّ: عن أبي مالكٍ وعن أبي صالحٍ عن ابن عَبَّاسٍ، وعن مُرَّةَ عن ابن مَسْعودٍ في هذهِ الآيةِ … فذَكَروا هذهِ القصَّةَ مبسوطةً، وقالوا فيها: فقالَ المشركونَ: يَزْعُمُ مُحَمَّدٌ أنَّهُ يَتَبعُ طاعةَ اللهِ وهوَ أوَّلُ مَنِ اسْتَحَلَّ الشَّهرَ الحرامَ. فقالَ المسلمونَ: إنَّما قتَلْناهُ في جُمادى. وقيلَ: في أوَّلِ رجبٍ وآخرِ ليلةٍ مِن جمادى، وغَمَدَ المسلمونَ سيوفَهُم حينَ دَخَلَ شهرُ رجبٍ. وأنْزَلَ اللهُ تعييرًا لأهلِ مَكَّةَ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} لا يَحِلُّ، وما صَنَعْتُمْ أنتُم يا معشرَ المشركينَ أكبرُ مِن القتلِ في الشَّهرِ الحرامِ حينَ كَفَرْتُم باللهِ وصَدَدْتُم عن مُحَمَّدٍ وأصحابِهِ، وإخراجُ أهلِ المسجدِ الحرامِ حينَ أخْرَجوا منهُ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - أكبرُ مِن القتلِ عندَ اللهِ.

وقد رُوِيَ عن ابن عَبَّاسٍ هذا المعنى: مِن روايةِ العَوْفِيِّ عنهُ، ومِن روايةِ أبي سَعْدٍ البَقَّالِ عن عِكْرِمَةَ عنهُ، ومِن روايةِ الكَلْبِيِّ عن أبي صالحٍ عنهُ.

وذَكَرَ ابنُ إسحاقَ أن ذلكَ كانَ في آخرِ يومٍ مِن رجبٍ، وأنَّهُم خافوا إنْ أخَّروا القتالَ أنْ يَسْبِقَهُمُ المشركونَ فيَدْخُلوا الحرمَ فيَأْمَنوا. وأنَّهُم لمَّا قَدِموا على النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ لهُم: "ما أمَرْتُكُم بالقتالِ في الشَّهرِ الحرامِ"، ولمْ يَأْخُذْ مِن غنيمتِهِم شيئًا. وقالَتْ قُرَيْشٌ: قدِ اسْتَحَلَّ مُحَمَّد وأصحابُهُ الشَّهرَ الحرامَ. فقالَ مَن بمَكَّةَ مِن المسلمينَ: إنَّما قَتَلوهُم في شعبانَ. فلمَّا أكْثَرَ النَّاسُ في ذلكَ؛ نَزَلَ قولُهُ تَعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} الآية (١).

ورُوِيَ نحوُ هذا السِّياق عن عُرْوَةَ والزُّهْرِيِّ وغيرِهِما.

وقيلَ: إنَّها كانَتْ أوَّلَ غنيمةٍ غَنِمَها المسلمونَ.


= والعسقلاني في "التغليق" (٢/ ٧٥ - ٧٦)؛ من طريقين قويّتين، عن عروة بن الزبير … مرسلًا.
وآخر عند البيهقي (٩/ ٥٨) من طريق لا بأس بها عن موسى بن عقبة … مرسلًا.
وشواهد أُخرى عند: عبد الرزّاق (٢٥٤)، وابن جرير (٤٠٨٦ و ٤٠٨٨ - ٤٠٩٠ و ٤٠٩٢ و ٤٠٩٣ - ٤٠٩٦)؛ من أوجه عدّة موصولة ضعيفة ومرسلة قويّة.
ومن وقف على شواهد القصّة لم يتردّد في صحّتها، وإلى تقويتها مال ابن كثير والهيثمي والعسقلاني.
(١) (لا بأس به). تقدّم تفصيل القول فيه في الحاشية السابقة؛ إلّا قوله - صلى الله عليه وسلم - "ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام"؛ فقد جاء فقط في مرسل عروة بن الزبير المتقدّم آنفًا، لكنّ الجوّ العام للنصوص المتقدّمة يقوّيه، ويشهد لمعناه حديث جابر الحسن الآتي قريبًا، فأرجو أنّه ممّا لا بأس به من أخبار السيرة.

<<  <   >  >>