للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• وليلةُ النِّصفِ مِن شعبانَ كانَ التَّابعونَ مِن أهلِ الشَّامِ كخالِدِ بن مَعْدانَ ومَكْحولٍ ولُقْمانَ بن عامِرٍ وغيرِهِم يُعَظِّمونَها ويَجْتَهِدونَ فيها في العبادةِ، وعنهُم أخَذَ النَّاسُ فضلَها وتعظيمَها، وقد قيلَ: إنَّهُ بَلَغَهُم في ذلكَ آثارٌ إسرائيليَّةٌ (١). فلمَّا اشْتَهَرَ ذلكَ عنهُم في البلدانِ؛ اخْتَلَفَ النَّاسُ في ذلكَ، فمنهُم مَن قَبِلَهُ منهُم ووافَقَهُم (٢) على تعظيمِها - منهُم طائفةٌ مِن عبَّادِ [أهلِ] البصرةِ وغيرِهِم -، وأنْكَرَ ذلكَ أكثرُ العلماءِ مِن أهلِ الحجازِ - منهُم عطاءٌ وابنُ أبي مُلَيْكَةَ، ونَقَلَهُ عَبْدُ الرَّحمنِ بنُ زَيْدِ بن أسْلَمَ عن فقهاءِ أهلِ المدينةِ، وهوَ قولُ أصحابِ مالِكٍ وغيرِهِم - وقالوا: ذلكَ كلُّهُ بدعةٌ.

واخْتَلَفَ علماءُ أهلِ الشَّامِ في صفةِ إحيائِها على قولينِ:

أحدُهُما: أنَّهُ يُسْتَحَبُّ إحياؤُها جماعة في المساجدِ، كانَ خالِدُ بنُ مَعْدانَ ولُقْمانُ بنُ عامِرٍ وغيرُهُما يَلْبَسونَ فيها أحسنَ ثيابِهِم ويَتبَخَّرونَ ويَكْتَحِلونَ ويَقومونَ في المسجدِ ليلتَهُم تلكَ، ووافَقَهُم إسْحاقُ بنُ راهَوَيْهِ على ذلكَ، وقالَ في قيامِها في المساجدِ جماعةً: ليسَ ذلكَ ببدعةٍ. نَقَلَهُ عنهُ حربٌ الكِرْمانِيُّ في "مسائلِهِ".

والثَّاني: أنَّهُ يُكْرَهُ الاجتماعُ لها (٣) في المساجدِ للصَّلاةِ والقصصِ والدُّعاءِ، ولا يُكْرَهُ أنْ يُصَلِّيَ الرَّجلُ فيها بخاصَّةِ نفسِهِ. وهذا قولُ الأوزاعِيِّ إمامِ أهلِ الشَّامِ وفقيهِهِم [وعالمِهِم]. وهذا هوَ الأقربُ إنْ شاءَ اللهُ.

وقد رُوِيَ عن عُمَرَ بن عَبْدِ العَزيزِ أنَّهُ كتَبَ إلى عاملِهِ بالبصرةِ: عليكَ بأربعِ ليالٍ مِن السَّنةِ؛ فإنَّ الله يُفْرِغُ فيهِنَّ الرَّحمةَ إفراغًا: أوَّلِ ليلةٍ مِن رجبٍ، وليلةِ النِّصفِ مِن شعبانَ، وليلةِ الفطرِ، وليلةِ الأضحى. وفي صحَّتِهِ عنهُ نظرٌ.

وقالَ الشَّافِعِيُّ: بلَغَنا أن الدُّعاءَ يُسْتَجابُ في خمسِ ليالٍ: ليلةِ الجمعةِ، والعيدينِ، وأوَّلِ رجبٍ، ونصفِ شعبانَ. قالَ: وأسْتَحِبُّ كلَّ ما حَكَيْتُ في هذهِ


= أهل الكتاب، وليس عنده ذكر ليلة النصف من شعبان، فالغالب أنّه من كلام نوف، ثمّ أسنده أُولئك المجاهيل إلى عليّ سهوًا أو عمدًا! وما أكثر ما كُذب على عليّ رضي الله عنه!
(١) والأثر المتقدّم آنفًا يدلُّ على أنّ هذا القول ليس بعيدًا عن الصواب.
(٢) في خ: "من قبله ومنهم من وافقهم"! والصواب ما أثبتّه من م ون وط.
(٣) في م ون وط: "الاجتماع فيها"، والأولى ما أثبتّه من خ.

<<  <   >  >>