للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَطاءِ بن يَسارٍ؛ قالَ: ما مِن ليلةٍ بعدَ ليلةِ القدرِ أفضلَ مِن ليلةِ نصفِ شعبانَ، يَنْزِلُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ إلى السَّماءِ الدُّنيا فيَغْفِرُ لعبادِهِ كلِّهِم إلَّا لمشركٍ أو مشاحنٍ أو قاطعِ رحمٍ.

فيا مَن أُعْتِقَ فيها مِن النَّارِ! هنيئًا لكَ هذهِ المنحةُ الجسيمة. ويا أيُّها المردودُ فيها! جَبَرَ اللهُ مصيبتَكَ فإنَّها مصيبةٌ عظيمة.

بَكَيْتُ عَلى نَفْسي وَحَقِّي أنْ أبْكي … وَما أنا مِنْ تَضْييعِ عُمْرِيَ في شَكِّ

لَئِنْ قُلْتُ إنِّي في صَنيعِيَ مُحْسِنُ … فَإنِّيَ في قَوْلي لِذلِكَ ذو إفْكِ

لَيالِيَ شَعْبانٍ ولَيْلَةُ نِصْفِهِ … بِأيَّةِ حالٍ قَدْ تُنَزَّلُ في صَكِّي (١)

وحَقِّي [لَـ]ـعَمْرِي (٢) أنْ أُديمَ تَضَرُّعي … لَعَلَّ إلهَ الخَلْقِ يَسْمَحُ بِالفَكِّ

• فيَنْبَغي للمؤمنِ أنْ يَتَفرَّغَ في تلكَ الليلةِ لذكرِ اللهِ تَعالى ودعائِهِ بغفرانِ الذُّنوبِ وسترِ العيوبِ وتفريجِ الكروبِ، وأنْ يُقَدَّمَ على ذلكَ التَّوبةَ؛ فإنَّ الله يَتوبُ فيها على مَن يَتوبُ.

فَقُمْ لَيْلَةَ النِّصْفِ الشَّريفِ مُصَلِّيًا … فَأشْرَفُ هذا الشَهْرِ لَيْلَةُ نِصفِهِ

فَكَمْ مِنْ فَتًى قَدْ باتَ في النِّصْفِ غافِلًا … وَقَدْ نُسِخَتْ فيهِ صَحيفَةُ حَتْفِهِ

فبادِرْ بِفِعْلِ الخَيْرِ قَبْلَ انْقِضائِهِ … وحاذِرْ هُجومَ المَوْتِ فيهِ بِصَرْفِهِ

وَصُمْ يَوْمَها لِلِهِ وَاعْظِمْ رَجاءَهُ (٣) … لِتَظْفَرَ عِنْدَ الكَرْبِ مِنْهُ بِلُطْفِهِ (٤)

ويَتَعَيَّنُ على المسلمِ أنْ يَتَجَنَّبَ الذُّنوبَ التي تَمْنَعُ مِن المغفرةِ وقبولِ الدُّعاءِ في تلكَ الليلةِ. وقد رُوِيَ أنَّها: الشِّركُ، وقتلُ النَّفسِ، والزِّنى (٥) وهذهِ الثَّلاثةُ أعظمُ الذُّنوبِ عندَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، كما في حديثِ ابن مَسْعودٍ المتَّفقِ على صحَّتِهِ؛ أنَّهُ سَألَ


(١) صكّي: صحيفتي. والمعنى: كيف ستكتب هذه الليالي في صحيفتي؟ هل سيكتب لي فيها توبة ومغفرة أو سأكون من الخاسرين؟ نسأل الله العافية.
(٢) ما بين الحاصرتين زيادة يقتضيها الوزن والسياق.
(٣) في ن وحاشية خ: "في النصف آمنًا … لله واحسن رجاءه".
(٤) تقدّم لك أنّ تجريد التوحيد لله وتجريد الاتّباع لنبيّه - صلى الله عليه وسلم - وسلامة الصدر للمؤمنين هي أعظم أسباب الفوز في هذه الليلة وأنّ اختصاصها بقيام واختصاص نهارها بصيام غير مشروع.
(٥) الروايات الواردة في قتل النفس ضعيفة والواردة في الزنى ساقطة، لكنْ من المعلوم أنّ الإصرار على مثل هذه الكبائر من أعظم أسباب إعراض الله عن العبد وخروجه في تلك الليلة بائرًا خاسرًا.

<<  <   >  >>