للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ الذَّنبِ أعظمُ؟ قالَ: "أن تَجْعَلَ للهِ ندًّا وهوَ خَلَقَكَ". قالَ: ثمَّ أيٌّ؟ قالَ: "أنْ تَقْتُلَ ولدَكَ خشيةَ أنْ يَطْعَمَ معَكَ". قالَ: ثمَّ أيٌّ؟ قالَ: "أنْ تُزانِيَ حليلةَ جارِكَ". فأنْزَلَ اللهُ تَعالى تصديقَ ذلكَ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} الآية [الفرقان: ٦٨] (١).

ومِن الذُّنوبِ المانعةِ مِن المغفرةِ أيضًا الشَّحناءُ، وهيَ حقدُ المسلمِ على أخيهِ بغضًا لهُ لهوى نفسِهِ، وذلكَ يَمْنَعُ أيضًا مِن المغفرةِ في أكثرِ أوقاتِ المغفرةِ والرَّحمةِ، كما في "صحيحِ مسلم" (٢): عن أبي هُرَيْرَةَ مرفوعًا: "تُفْتَحُ أبوابُ الجنَّةِ يومَ الاثنينِ والخميسِ، فيُغْفرُ لكلِّ عبدٍ لا يُشْرِكُ باللهِ شيئًا؛ إلَّا رجلًا كانَتْ بينَهُ وبينَ أخيهِ شحناءُ، يُقالُ: أنْظِروا هذينِ حتَّى يَصْطَلِحا".

وقد فَسَّرَ الأوْزاعِيُّ هذهِ الشَّحناءَ المانعةَ بالذي في قلبِهِ شحناءُ لأصحابِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. ولا ريبَ أن هذهِ الشَّحناءَ أعظمُ جرمًا مِن مشاحنةِ الأقرانِ بعضِهِم بعضًا.

وعنِ الأوْزاعِيِّ أنَّهُ قالَ: المشاحنُ كلُّ صاحبِ بدعةٍ فارَقَ عليهـ[ـا] الأُمَّةَ.

وكذا قالَ ابنُ ثَوْبانَ: المشاحِنُ هوَ: التَّاركُ لسنَّةِ نبيِّهِ - صلى الله عليه وسلم -، الطَّاعنُ على أُمَّتِهِ، السَّافِكُ دماءَهُم (٣).

وهذهِ الشَّحناءُ - أعْني: شحناءَ البدعةِ - توجِبُ الطعنَ على جماعةِ المسلمينَ واستحلالَ دمائِهِم وأموالِهِم وأعراضِهِم، كبدعِ الخوارجِ والرَّوافضِ ونحوِهِم.

فأفضلُ الأعمالِ: سلامةُ الصَّدرِ مِن أنواعِ الشَّحناءِ كلِّها، وأفضلُها السَّلامةُ مِن شحناءِ أهلِ الأهواءِ والبدعِ التي تَقْتَضي الطَّعنَ على سلفِ الأُمَّةِ وبغضَهُم والحقدَ عليهِم واعتقادَ تكفيرِهِم أو تبديعِهِم وتضليلِهِم، ثمَّ يَلي ذلكَ سلامةُ القلبِ مِن الشَّحناءِ لعمومِ المسلمينَ وإرادةُ الخيرِ لهُم ونصيحتُهُم وأنْ يُحِبَّ لهُم ما يُحِبُّ لنفسِهِ.


(١) البخاري (٦٥ - التفسير، ٢ - سورة البقرة، ٣ - فلا تجعلوا لله أندادًا، ٨/ ١٦٣/ ٤٤٧٧)، ومسلم (١ - الإيمان، ٣٧ - الشرك أقبح الذنوب، ١/ ٩٠/ ٨٦).
(٢) (٤٥ - البرّ، ١١ - النهي عن الشحناء، ٤/ ١٩٨٧/ ٢٥٦٥).
(٣) لا ريب أنّ هؤلاء جميعًا أولى الخلق بلقب المشاحن وأعظم جرمًا من مشاحنة الأقران، لكنّ قصر الشحناء عليهم لا يخلو من نظر.

<<  <   >  >>