للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد وَصَفَ اللهُ المؤمنينَ عمومًا بأنَّهُم يَقولونَ: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: ١٠].

وفي "المسند": عن أنَسٍ؛ أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ لأصحابِهِ ثلاثةَ أيَّامٍ: "يَطْلُعُ عليكُمُ الآنَ رجلٌ مِن أهلِ الجنَّةِ". فيَطَلُعُ رجلٌ واحدٌ. فاسْتَضافَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو، فنامَ عندَهُ ثلاثًا لِيَنْظُرَ عملَهُ، فلم يَرَ لهُ في بيتِهِ كثيرَ عملٍ، فأخْبَرَهُ بالحالِ، فقالَ لهُ: هوَ ما تَرى؛ إلَّا أنِّي أبِيتُ وليسَ في قلبي شيءٌ على أحدٍ مِن المسلمينَ. فقالَ عَبْدُ اللهِ: بهذا بَلَغَ ما بَلَغَ (١).

وفي "سنن ابن ماجَهْ": عن عَبْدِ اللهِ بن عَمْرٍو؛ قالَ: قيلَ: يا رسولَ اللهِ! أيُّ النَّاسِ أفضلُ؟ قالَ: " [كلُّ] مخمومِ القلبِ صدوقِ اللسانِ". قالوا: صدوقُ اللسانِ نَعْرِفُهُ، فما مخمومُ القلبِ؟ قالَ: "هوَ التَّقيُّ النَّقيُّ الذي لا إثمَ فيهِ ولا بغيَ ولا غلَّ ولا حسدَ" (٢).

قالَ بعضُ السَّلفِ: أفضلُ الأعمالِ سلامةُ الصُّدورِ وسخاوةُ النُّفوسِ والنَّصيحةُ للأُمَّةِ. وبهذهِ الخصالِ بَلَغَ مَن بَلَغَ لا بكثرةِ الاجتهادِ في الصَّومِ والصَّلاةِ.


(١) (صحيح). رواه: معمر في "الجامع" (٢٠٥٥٩)، وابن المبارك في "الزهد" (٦٩٤)، وأحمد (٣/ ١٦٦)، وعبد بن حميد (١١٥٩)، والبزّار (١٩٨١ - كشف)، والنسائي في "الكبرى" (١٠٦٩٩) و"اليوم والليلة" (٨٦٩)، والبيهقي في "الشعب" (٦٦٠٥)، وابن عبد البرّ في "التمهيد" (٦/ ١٢١)، والبغوي في "السنّة" (٣٥٣٥)، والأصبهاني في "الرغيب" (١١٠٨ و ٢٢٤٧)، والسمعاني في "الإملاء والاستملاء" (ص ١٢٢)؛ من طرق، عن معمر، عن الزهري، عن أنس … رفعه.
قال المنذري: "إسناد على شرط البخاري ومسلم". وصحَّحه ابن كثير. وقال الهيثمي (٨/ ٨٢): "رجال الصحيح". قلت: لكن جاء عند البيهقي في "الشعب" (٦٦٠٦) عن الزهري، ثني من لا أتّهم، عن أنس … رفعه! ولا يضرّه لأمرين: أوّلهما: ضعف هذا الطريق وانقطاعها. والآخر: أنّ الزهريّ صرّح بالإخبار عند البيهقي في "الشعب" (٦٦٠٥)، فلو صحّت الطريق الأُخرى؛ فالأمر محمول على أنّه سمعه من أنس مباشرة وبواسطة، فكيف والطريق الأُخرى غير صحيحة؟!
(٢) (صحيح). رواه: الفسوي (٢/ ٥٢٣)، وابن ماجه (٣٧ - الزهد، ٢٤ - في الورع، ٢/ ١٤٠٩/ ٤٢١٦)، وابن أبي حاتم في "العلل" (١٨٧٣) تعليقًا، والخرائطي في "المكارم" (٤٤)، والطبراني في "الشاميّين" (١٢١٨)، وأبو نعيم في "الحلية" (١/ ١٨٣، ٦/ ٦٩)، والبيهقي في "الشعب" (٤٨٠٠ و ٦٦٠٤)، وابن عساكر (٥٩/ ٤٥٠ - ٤٥٢)، من طريق زيد بن واقد، ثني مغيث بن سميّ، عن ابن عمرو … رفعه.
قال ابن أبي حاتم: "قال أبي: هذا حديث صحيح حسن وزيد محلّه الصدق". وقال المنذري والبوصيري: "إسناد صحيح". وصحّحه الألباني.

<<  <   >  >>