للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا تَعْرِضَنَّ لِذِكْرِنا في ذِكْرِهِمْ … لَيْسَ الصَّحيحُ إذا مَشى كَالمُقْعَدِ

ولهُ فوائدُ أُخرُ: قالَ الشَّافِعِيُّ: أُحِبُّ للرَّجلِ الزِّيادةَ بالجودِ في شهرِ رمضانَ اقتداءً برسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ولحاجةِ النَّاسِ فيهِ إلى مصالحِهِم، ولتشاغلِ كثيرٍ منهُم بالصَّومِ والصَّلاةِ عن مكاسبِهِم. وكذا قالَ القاضي أبو يَعْلى وغيرُهُ مِن أصحابِنا أيضًا.

• ودَلَّ الحديثُ أيضًا على استحبابِ دراسةِ القرآنِ في رمضانَ والاجتماعِ على ذلكَ وعرضِ القرانِ على مَن هوَ أحفظُ لهُ منهُ.

وفيهِ دليلٌ على استحبابِ الإكثارِ مِن تلاوةِ القرآنِ في شهرِ رمضانَ.

وفي حديثِ فاطِمَةَ عليها السَّلامُ: عن أبيها - صلى الله عليه وسلم -؛ أنَّهُ أخْبَرَها أن جِبْريلَ كانَ يَعارِضُهُ القرآنَ كلَّ عامٍ مرَّةً، وأنَّهُ عارَضَهُ في عامِ وفاتِهِ مرَّتينِ (١).

وفي حديثِ ابن عَبَّاسٍ (٢) أن المدارسةَ بينَهُ وبينَ جِبْريلَ كانَتْ ليلًا. فدَلَّ على استحبابِ الإكثارِ مِن التِّلاوةِ في رمضانَ ليلًا؛ فإنَّ الليلَ تَنْقَطعُ فيهِ الشَّواغلُ، وتَجْتَمعُ فيهِ الهممُ، ويَتَواطَأُ فيهِ القلبُ واللسانُ على التَّدبُّرِ، كما قالَ تَعالى: {إنَّ ناشِئَةَ اللَيْلِ هِيَ أشَدُّ وَطْئًا وَأقْوَمُ قيلًا} [المزَّمِّل: ٦]. وشهرُ رمضانَ لهُ خصوصيَّةٌ بالقرآنِ، كما قالَ تعالى: {شَهْرُ رَمَضانَ الَّذي أُنزِلَ فيهِ القُرْآنُ} [البقرة: ١٨٥]. وقد قالَ ابنُ عَبَّاسٍ: إنَّهُ أُنْزِلَ جملةً واحدةً مِن اللوحِ المحفوظِ إلى بيتِ العزَّةِ في ليلةِ القدرِ. ويَشْهَدُ لذلكَ قولُهُ تَعالى: {إنَّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ القَدْرِ} [القدر: ١]، وقولُهُ: {إنَّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَة مُبارَكَةٍ} [الدُّخان: ٣].

وقد سَبَقَ عن عُبَيْدِ بن عُمَيْرٍ أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بُدِئَ بالوحيِ ونزولِ القرآنِ عليهِ في شهرِ رمضانَ (٣).

وفي "المسند": عن واثِلَةَ بن الأسْقَعِ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ أنَّهُ قالَ: "نَزَلَتْ صحفُ


(١) رواه: البخاري (٦١ - المناقب، ٢٥ - علامات النبوّة، ٦/ ٦٢٨/ ٣٦٢٤)، ومسلم (٤٤ - الصحابة، ١٥ - فضائل فاطمة، ٤/ ١٩٠٤/ ٢٤٥٠)؛ من حديث عائشة عن فاطمة.
(٢) المتقدّم أوّل هذا الباب.
(٣) وهذا صحيح، لكن من غير طريق عبيد بن عمير، وقد تقدّم أنّ في مرسل عبيد نكارة.

<<  <   >  >>