للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• واعْلَمْ أن المؤمنَ يَجْتَمعُ لهُ في شهرِ رمضانَ جهادانِ لنفسِهِ: جهادٌ بالنَّهارِ على الصِّيامِ، وجهادٌ بالليلِ على القيامِ. فمَن جَمَعَ بينَ هذينِ الجهادينِ ووَفى بحقوقِهِما وصَبَرَ عليهِما؛ وُفِّيَ أجرَهُ بغيرِ حسابٍ.

قالَ كَعْبٌ: يُنادي يومَ القيامةِ منادٍ: إنَّ كلَّ حارثٍ يُعْطى بحرثِهِ ويُزادُ، غيرَ أهلِ القرآنِ والصُّوَّامِ، يُعْطَوْنَ أُجورَهُم بغيرِ حسابٍ.

ويَشْفَعانِ لهُ أيضًا عندَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ كما في "المسند": عن عَبْدِ اللهِ بن عَمْرٍو، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "الصِّيامُ والقرآنُ (١) يَشْفَعانِ للعبدِ يومَ القيامةِ، يَقولُ الصِّيامُ: أيْ ربِّ! مَنَعْتُهُ الطَّعامَ والشَّهواتِ بالنَّهارِ [فشَفِّعْني فيهِ] (٢). ويَقولُ القرآنُ: مَنَعْتُهُ النَّومَ بالليلِ فشَفِّعْني فيهِ. فيُشَفَّعانِ" (٣).


= "لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث"، ومعلوم أنّ هذه العلّة قائمة في جميع الأحوال المستثناة بل هي أعظم وأشدّ ظهورًا فيها، فالصيام وزيارة مكّة والمدينة عبادات في حدّ ذاتها تشغل عن التركيز والتدبّر الطويلين. والرابع: أنّ التلاوة، وإن كانت مقصودة لذاتها من وجه، فإنّها مقصودة للفهم والتدبّر والعمل من وجه أعظم وأجلّ، وقد صحّ عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما أنّ سورة واحدة مع التدبّر خير من ختمة بغيره أو نحوه. والخامس: أنّ ما جاء من مخالفة بعض السلف لذلك: فإمّا أنّه لا يصحّ عنهم، وإما أنهم لم يبلغهم النهي فهم معذورون. والسادس: أنّه يقابل هؤلاء جماعة كبار من السلف نهوا عن ذلك وحذروا منه، وحسبك في هذا قول ابن مسعود لمن قرأ في ليلة فأكثر: "أهذا كهذّ الشعر؟! ".
(١) في خ و م و ن: "الصيام والقيام"! وأثبتّ ما في ط لموافقته لفظ "المسند".
(٢) في خ و ن: "والشهوات المحرّمة بالنهار"، والأولى ما أثبتّه من م و ط و"المسند"، والزيادة منه.
(٣) (حسن). رواه: ابن المبارك (٣٨٥)، وأحمد (٢/ ١٧٤)، وابن أبي الدنيا في "الجوع" (١٤٣٦ - ترغيب)، والطبراني (٣/ ١٨٤ - مجمع)، وأبو نعيم في "الحلية" (٨/ ١٦١)، والحاكم (١/ ٥٥٤)، والبيهقي في "الشعب" (١٩٩٤)، والذهبي في "النبلاء" (١٢/ ٢٢، ١٤/ ٤٣٥)؛ من طرق، عن حييّ بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن ابن عمرو … رفعه.
قال الحاكم: "على شرط مسلم"، وأقرّه المنذري والذهبي. وقال المنذري والهيثمي (٣/ ١٨٤): "رجال الصحيح". وقال المنذري والهيثمي (١٠/ ٣٨٤): "إسناده حسن". زاد الهيثمي: "على ضعف في ابن لهيعة وقد وثّق". قلت: وليّنه الذهبيّ مرّة في "النبلاء" من أجل ابن لهيعة، وليس بالقادح فقد توبع عند ابن المبارك والحاكم من وجهين. نعم؛ في حييّ المعافري كلام، لكنّه لا ينحط بحديثه إلى الضعف، ولا سيّما في باب الرقائق، فالسند لا بأس به، وقد صححه الألباني، فكأنّه لشواهده.
ويشهد لمعناه "الصيام جنّة (وفي رواية: وحصن حصين) من النار (وفي رواية: كجنّة أحدكم من القتال) و"القرآن شافع مشفّع وماحل مصدّق"، ويشهد له أيضًا حديثا بريدة وعبادة الآتيان قريبًا.

<<  <   >  >>