للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالصِّيامُ يَشْفَعُ لمَن مَنَعَهُ الطَّعامَ والشَّهواتِ المحرَّمةَ كلَّها، سواءٌ كانَ تحريمُها يَخْتَصُّ بالصِّيامِ - كشهوةِ الطَّعامِ والشَّرابِ والنِّكاحِ ومقدِّماتِها - أو لا يَخْتَصُّ بهِ - كشهوةِ فضولِ الكلامِ المحرَّمِ والنَّظرِ المحرَّمِ والسَّماعِ المحرَّمِ والكسبِ المحرَّمِ -، فإذا مَنَعَهُ الصِّيامُ مِن هذهِ المحرَّماتِ كلِّها؛ فإنَّهُ يَشْفَعُ لهُ عندَ اللهِ يومَ القيامةِ فيَقولُ: يا ربِّ! مَنَعْتُهُ شهواتِهِ فشَفِّعْني فيهِ.

فهذا لمَن حَفِظَ صيامَهُ ومَنَعَهُ مِن شهواتِهِ. فأمَّا مَن ضَيَّعَ صيامَهُ ولمْ يَمْنَعْهُ ممَّا حَرَّمَهُ اللهُ عليهِ؛ فإنَّهُ جديرٌ أنْ يُضرَبَ بهِ وجهُ صاحبِهِ ويَقولَ لهُ: ضَيَّعَكَ اللهُ كما ضَيَّعْتَني، كما وَرَدَ مثلُ ذلكَ في الصَّلاةِ.

قالَ بعضُ السَّلفِ: إذا احْتُضِرَ المؤمنُ؛ يُقالُ للمَلَكِ: شُمَّ رأْسَهُ. قالَ: أجِدُ في رأْسِهِ القرآنَ. فيُقالُ: شُمَّ قلبَهُ. فيَقولُ: أجِدُ في قلبِهِ الصِّيامَ. فيُقالُ (١): شُمَّ قدميهِ. فيَقولُ: أجدُ في قدميهِ القيامَ. فيُقالُ: حَفِظَ نفسَهُ حَفِظَهُ اللهُ.

وكذَلكَ القرآنُ إنَّما يَشْفَعُ لمَن مَنَعَهُ مِن النَّومِ بالليلِ؛ فإنَّ مَن قَرَأ القرآنَ وقامَ بهِ؛ فقد قامَ بحقِّهِ، فيَشْفَعُ لهُ.

وقد ذَكَرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - رجلًا، فقالَ: "ذاكَ لا يَتَوَسَّدُ القرآنَ" (٢)؛ يَعْني: لا يَنامُ عليهِ فيَصيرُ لهُ كالوسادةِ (٣).


(١) في خ: "فيقول"، والأولى ما أثبتّه من م و ن و ط.
(٢) (صحيح). رواه: ابن المبارك (١٢١٠)، وابن سعد (٤/ ٣٦٣)، وأحمد (٣/ ٤٤٩)، وابن أبي عاصم في "الآحاد" (٢٤٢٢) و ٢٤٢٣)، والنسائي في "المجتبى" (٢٠ - قيام الليل، ٦٠ - وقت ركعتي الفجر، ٣/ ٢٥٧/ ١٧٨٢) و"الكبرى" (١٣٠٥)، والبغوي في "المعجم" (٢/ ١٤٧ - إصابة)، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (٨/ ٣٦٢)، وابن قانع في "المعجم" (١/ ٣٠٠/ ٣٦٥)، والطبراني (٧/ ١٤٨/ ٦٦٥٤ و ٦٦٥٥)، وابن منده في "الصحابة" (٢/ ١٤٧ - إصابة)، والبيهقي في "الشعب" (٢٠٠٥ - ٢٠٠٧) و"الصفات" (٥٨٥)، وابن عبد البرّ في "الاستيعاب" (٢/ ١٤٥ و ١٤٦)، وأبو الحسن الخلعي في "الفوائد الخلعيّات" (٢/ ١٤٧ - غابة)، وابن الأثير في "الغابة" (٤/ ٩٣) تعليقًا؛ من طرق، عن الزهريّ، عن السائب بن يزيد؛ أنّ شريحًا الحضرميّ ذكر عنده - صلى الله عليه وسلم -، فقال … فذكره.
والسائب صحابيّ، والسند صحيح غاية، غير أنّهم اختلفوا في المذكور عند النبيّ - صلى الله عليه وسلم - هل هو شريح الحضرمي أو مخرمة بن شريح، وهذا لا يضرّ كما هو معلوم، وقد صحّح الحديث العسقلاني والألباني.
(٣) يعني: يسهر عليه تلاوة وحفظًا وفهمًا. فهذا أحسن ما قيل في معنى الحديث.

<<  <   >  >>