للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والصَّحيحُ أن المرادَ اعتزالُهُ للنِّساءِ، وبذلكَ فَسَّرَهُ السَّلفُ والأئمَّةُ المتقدِّمونَ، منهُمُ الثَّورِيُّ.

وقد وَرَدَ ذلكَ صريحًا مِن حديثِ عائِشَةَ وأنَسٍ، ووَرَدَ تفسيرُهُ بأنَّهُ لم يَأْوِ إلى فراشِهِ حتَّى يَنْسَلخَ رمضانُ، وفي حديثِ أنَسٍ: "وطَوى فراشَهُ، واعْتَزَلَ النِّساءَ" (١).

وقد كانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - غالبًا يَعْتكِفُ العشرَ الأواخرَ، والمعتكفُ ممنوعٌ مِن قربانِ النِّساءِ بالنَّصِّ والإجماعِ، وقد قالَ طائفةٌ مِن السَّلفِ في تفسيرِ قولِهِ تَعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [البقرة: ١٨٧]: إنَّهُ طلبُ ليلةِ القدرِ. والمعنى في ذلكَ أن الله تَعالى لمَّا أباحَ مباشرةَ النِّساءِ في ليالي الصِّيامِ إلى أنْ يَتبَيَّنَ الخيطُ الأبيضُ مِن الخيطِ الأسودِ؛ أمَرَ معَ ذلكَ بطلبِ ليلةِ القدرِ، لئلَّا يَشْتَغِلَ المسلمونَ في طولِ ليالي الشَّهرِ بالاستمتاعِ المباحِ فيفوتُهُم طلبُ ليلةِ القدرِ، فأمَرَ معَ ذلكَ بطلبِ ليلةِ القدرِ بالتَّهجُّدِ مِن الليلِ، خصوصًا في الليالي المرجوِّ فيها ليلةُ القدرِ، فمِن هُنا كانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصيبُ مِن أهلِهِ في العشرينَ مِن رمضانَ، ثمَّ يَعْتَزِلُ نساءَهُ ويَتَفَرَّغُ لطلبِ ليلةِ القدرِ في العشرِ الأواخرِ.

• ومنها: تأْخيرُهُ للفطورِ إلى السَّحَرِ

رُوِيَ عنهُ مِن حديثِ عائِشَةَ وأنَسٍ أنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - كانَ في ليالي العشرِ يَجْعَلُ عشاءَهُ سحورًا.

ولفظُ حديثِ عائِشَةَ: كانَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إذا كانَ رمضانُ؛ قامَ ونامَ، فإذا دَخَلَ العشرُ؛ شَدَّ المئزرَ واجْتَنَبَ النِّساءَ واغْتَسَلَ بينَ الأذانينِ وجَعَلَ العشاءَ سحورًا (٢).


(١) (منكر). سيأتي بطوله وتخريجه بعد سطور.
(٢) (منكر). لم أقف عليه، ولا ذكره العسقلاني عند شرحه لحديث عائشة في "الفتح"، وفيه زيادات غريبة عن رواية الثقات للحديث، فهذه لا تحتمل من الأسانيد المقاربة - على التسليم بأنّ الإسناد مقارب وفي القلب منه أشياء - بل لا بدّ فيها من الرواة الثقات الأثبات.
ثمّ وقفت على زيادة "واجتنب النساء" في الحديث عند الطبراني في "الأوسط" (٧٥٧٣) من طريق نهشل، عن الضحّاك، عن مسروق، عن عائشة … رفعته. ونهشل متّهم متروك، والضحّاك كثير الإرسال، وقد رواه الشيخان عن مسروق دون هذه الزيادة، فبان أنّها منكرة، والزيادات الأُخرى أشدّ نكارة.

<<  <   >  >>