للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حَسَبَ الشَّهرَ على تقديرِ نقصانِهِ أبدًا؛ لأَنَّهُ المتيقَّنُ، كما ذَهَبَ إليهِ أيُّوبُ ومالِكٌ وغيرُهُما، وعلى قولِهِما تَكونُ ليلةُ سابعةٍ تَبْقى ليلةَ ثلاثٍ وعشرينَ، وليلةُ خامسةٍ تَبْقى ليلةَ خمسٍ وعشرينَ، وليلةُ تاسعةٍ تَبْقى ليلةَ إحدى وعشرينَ (١).

وقد رُوِيَ عن النُّعْمانِ بن بَشيرٍ؛ أنَّهُ أنْكَرَ أنْ تُحْسَبَ ليلةُ القدرِ بما مَضى مِن الشَّهرِ، وأخْبَرَ أن الصَّحابةَ يَحْسِبونَها بما بَقِيَ منهُ (٢).

وهذا الاحتمالُ إنَّما يَكونُ في مثلِ قولِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْتَمِسوها في التَّاسعةِ والسَّابعةِ والخامسةِ". وقد خَرَّجَهُ البُخارِيُّ (٣) مِن حديثِ عُبادَةَ، ومسلمٌ (٤) مِن حديثِ أبي سَعيدٍ. فإنَّهُ يُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ بهِ التَّاسعةُ والسَّابعةُ والخامسةُ ممَّا يَبْقى وممَّا يَمْضي.

وأمَّا حديثُ ابن عَبَّاسٍ وأبي بَكْرَةَ وما في معناهُما (٥)؛ فإنَّها مقيَّدةٌ بالباقي مِن الشَّهرِ، فلا يُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ بهِ الماضي، وحينئذٍ يَتَوَجَّهُ الاختلافُ السَّابقُ في أنَّهُ: هل يُحْسَبُ على تقديرِ تمامِ الشَّهرِ أو نقصانِهِ؟

وحديثُ ابن عَبَّاسٍ قد رُوِيَ بالشَّكِّ فيما مَضى أو يَبْقى. وقد خَرَّجَهُ البُخارِيُّ بالوجهين (٦).

وحديثُ أبي ذَرٍّ في قيامِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بهِم أفرادَ العشرِ الأواخرِ قد خَرَّجَهُ أبو داوودَ


(١) وهذا هو التحقيق السليم الذي دلّ عليه حديث أبي ذرّ الصحيح الذي تقدّم (ص ٣٩٦ - ٣٩٧).
(٢) الذي ثبت عنه أنّه قالا: "أنتم تقولون ليلة سابعة ثلاث وعشرين، ونحن نقول سابعة سبع وعشرين، فنحن أصوب أم أنتم؟ ". وهذا يدلّ أوّلًا على أنّ حساب آخر الشهر على تقدير نقصانه كان مألوفًا في عصر التابعين. ويدلّ ثانيًا على أنّ طرائق الناس في الحساب في عصر الصحابة والتابعين كانت متفاوتة - فمنهم من كان يحسب اعتمادًا على أوّل الشهر، ومنهم من كان يحسب اعتمادًا على آخره. ودلّ غيره على أنّ من اعتمد آخر الشهر منهم من كان يحسب على تقدير تمامه ومنهم من كان يحسب على تقدير نقصانه. ومن هنا وقعت الخلافات والإشكالات.
(٣) (٢٢ - ليلة القدر، ٤ - رفع معرفة ليلة القدر، ٤/ ٢٦٧/ ٢٠٢٣).
(٤) (١٣ - الصيام، ٤٠ - فضل ليلة القدر، ٢/ ٨٢٧/ ١١٦٧).
(٥) وقد تقدّما (ص ٤٤٤ و ٤٤٥).
(٦) وقد تقدّم الوجهان (ص ٤٤٤).

<<  <   >  >>