للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الطَّيالِسِيُّ بلفظٍ صريحٍ أنَّهُ قامَ بهِم أشفاعَ العشرِ الأواخرِ وحَسَبَها أوتارًا بالنِّسبةِ إلى ما يَبْقى مِن الشَّهرِ وقَدَّرَهُ تامًّا وجَعَلَ الليلةَ التي قامَها حتَّى خَشُوا أنْ يَفوتَهُمُ الفلاحُ ليلةَ ثمانٍ وعشرينَ وهيَ الثَّالثةُ ممَّا يَبْقى (١). وقد قيلَ: إنَّ ذلكَ مِن تصرُّفِ بعضِ الرُّواةِ بما فَهِمَهُ مِن المعنى. واللهُ أعلمُ.

* وعلى قياسِ قولِ مَن حَسَبَ اللياليَ الباقيةَ مِن الشَّهرِ على تقديرِ نقصانِ الشَّهرِ يَنْبَغي أنْ يَكونَ عندَهُ أوَّلُ العشرِ الأواخرِ ليلةَ العشرينَ؛ لاحتمالِ أنْ يَكونَ الشَّهرُ ناقصًا، فلا يَتَحَقَّقُ كونُها عشرَ ليالٍ بدونِ إدخالِ ليلةِ العشرينَ فيها. وقد يُقالُ: بلِ العشرُ الأواخرُ عبارةٌ عمَّا بعدَ انقضاءِ العشرينَ الماضيةِ مِن الشَّهرِ، وسواءٌ كانَتْ تامَّةً أو ناقصةً فهيَ المعبَّرُ عنها بالعشرِ الأواخرِ وقيامُها هوَ قيامُ العشرِ الأواخر (٢). وهذا كما يُقالُ: صامَ عشرَ ذي الحجَّةِ، وإنَّما يُصامُ منهُ تسعةُ أيَّامٍ، ولهذا كانَ ابنُ سِيرِينَ يَكْرَهُ أنْ يُقالَ: صامَ عشرَ ذي الحجَّةِ، وقالَ: إنَّما يُقالُ: صامَ التِّسعَ. ومَن لم يَكْرَهْهُ - وهُمُ الجمهورُ - فقد يَقولونَ: الصِّيامُ المضافُ إلى العشرِ هوَ صيامُ ما يُمْكِنُ منهُ، وهوَ ما عدا يومَ النَّحرِ. ويُطْلَقُ على ذلكَ العشرُ لأنَّهُ أكثرُ العشرِ. واللهُ أعلمُ.

• وقدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ في ليلةِ القدرِ اختلافًا كثيرًا:

* فحُكِيَ عن بعضِهِم أنَّها رُفِعَتْ، وحديثُ أبي ذَرٍّ يَرُدُّ ذلكَ (٣).

ورُويَ عن مُحَمَّدِ بن الحَنَفِيَّةِ أنَّها في كل سبعِ سنينَ مرَّةٌ. وفي إسنادِهِ ضعفٌ.

وعن بعضِهِم أنَّها في كلِّ السَّنةِ. حُكِيَ عن ابن مَسْعودٍ (٤) وطائفةٍ مِن الكوفيِّينَ،


(١) (شاذّ). تقدّم تفصيل القول في طرقه (ص ٣٩٦ - ٣٩٧) وبيان شذوذ هذا اللفظ وأنّه رواية بالمعنى من تصرّف الرواة.
(٢) وهذا عين الصواب، والعشر الأواخر إنّما تكون بعد انقضاء العشرَيْن الأوّل والأوسط، سواء كان الباقي تسعة أيّام فقط أو كان عشرة كاملة.
(٣) تقدّم لك (ص ٤٤٥) أنّ حديث أبي ذرّ هذا ضعيف لا يصلح حجِّة على أخذ ولا ردّ. وأولى من ذلك أن يقال: على صاحب هذه الدعوى أن يورد الدليل عليها، فإن لم يفعل ولن يفعل؛ فدعواه ساقطة ابتداء.
(٤) يريد قوله - رضي الله عنه -: "من يقم الحولَ يُصِبْها"، وهذا لا يدلّ على أنّه لا يرى أنّها في رمضان، بل الأمر كما قال أبيّ - رضي الله عنه -: "يرحمَ الله أبا عبد الرحمن [يعني: ابن مسعود]، لقد علم أنّها في رمضان، ولكنّه عمّى على الناس حتّى لا يتّكلوا". وقد صحّ عن ابن مسعود موقوفًا طلبها ليلة سبع عشرة وليلة=

<<  <   >  >>