للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا فرقَ في ذلكَ بينَ أنْ يَكونَ شهرُ رمضانَ ثلاثينَ أو تسعًا وعشرينَ. وعلى هذا حَمَلَ بعضُهُم قولَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "شهرا عيدٍ لا يَنْقُصانِ؛ رمضانُ، وذو الحجَّةِ" (١)، وقالَ: المرادُ كمالُ أجرِهِ، سواءٌ كانَ ثلاثينَ أو تسعًا وعشرينَ. وأنَّهُ إذا أُتِّبِعَ بستَّةِ أيَّامٍ مِن شوَّالٍ؛ فإنَّهُ يَعْدِلُ صيامَ الدَّهرِ على كلِّ حالٍ. وكَرِهَ إسْحاقُ بنُ راهَوَيْهِ أنْ يُقالَ لشهرِ رمضانَ إنَّهُ ناقصٌ وإنْ كانَ تسعًا وعشرينَ لهذا المعنى.

فإن قالَ قائلٌ: فلو صامَ هذهِ السِّتَّةَ أيَّامٍ مِن غيرِ شوَّالٍ يَحْصُلُ لهُ هذا الفضلُ؛ فكيفَ خُصَّ صيامُها مِن شوَّالٍ؟ قيلَ: صيامُها مِن شوَّالٍ يَلْتَحِيُّ بصيامِ رمضانَ في الفضلِ (٢)، فيَكونُ لهُ أجرُ صيامِ الدَّهرِ فَرَضًا. ذَكَرَ ذلكَ ابنُ المُبارَكِ، وذَكَرَ أنَّهُ في بعضِ الحديثِ، حَكاهُ عنهُ التِّرْمِذِيُّ في "جامعه". ولعلَّهُ أشارَ إلى ما رُوِيَ عن أُمِّ سَلَمَةَ؛ أنَّ مَن صامَ الغدَ مِن يومِ الفطرِ؛ فكأنَّما صامَ رمضانَ (٣).

• وفي معاودةِ الصِّيامِ بعدَ رمضانَ فوائدُ عديدةٌ:

* منها: أن صيامَ ستَّةِ أيَّامٍ مِن شوَّالٍ بعدَ رمضانَ يُسْتكمَلُ بها أجرُ صيامِ الدَّهرِ كلِّهِ كما سَبَقَ.

* ومنها: أن صيامَ شوَّالٍ وشعبانَ كصلاةِ السُّننِ الرَّواتبِ قبلَ الصَّلاةِ المفروضةِ وبعدَها، فيَكْمُلُ بذلكَ ما حَصَلَ في الفرضِ مِن خللٍ ونقصٍ. فإنَّ الفرائضَ تُكْمَلُ بالنَّوافلِ يومَ القيامةِ، كما وَرَدَ ذلكَ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِن وجوهٍ متعدِّدةٍ (٤). وأكثرُ النَّاسِ في صيامِهِ للفرضِ نقصٌ وخللٌ، فيَحْتاجُ إلى ما يَجْبُرُهُ ويُكْمِلُهُ مِن الأعمالِ.

ولهذا نَهى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يَقولَ الرَّجلُ: صُمْتُ رمضانَ كلَّهُ أو قُمْتُهُ كلَّهُ. قالَ الصَّحابيُّ: فلا أدْري؛ أكَرِهَ التَّزكيةَ أم لا بدَّ مِن غفلةٍ (٥). وكانَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزيزِ رَحِمَهُ


(١) رواه: البخاري (٣٠ - الصوم، ١٢ - شهرا عيد لا ينقصان، ٤/ ١٢٤/ ١٩١٢)، ومسلم (١٣ - الصيام، ٧ - معنى قوله شهرا عيد لا ينقصان، ٢/ ٧٦٦/ ١٠٨٩)؛ من حديث أبي بكرة.
(٢) في خ: "في أجر الفضل"! وقد تقدّم هذا الكلام. وبيان ما فيه (ص ٣٠٨).
(٣) (ضعيف). تقدّم تفصيل القول فيه (ص ٤٩٠).
(٤) انظر لهذا: "جامع الأصول" (١٠/ ٤٣٤/ ٧٩٦٤ - ٧٩٦٦).
(٥) (ضعيف). تقدّم تفصيل القول فيه (ص ٤٨٥).

<<  <   >  >>