للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللهُ يَقولُ: مَن لم يَجِدْ ما يَتَصَدَّقُ بهِ فلْيَصُمْ (١). يَعْني: مَن لم يَجِدْ ما يُخْرِجُهُ صدقةً [لـ]ـــــلفطرِ في آخرِ رمضانَ فلْيَصُمْ بعدَ الفطرِ؛ فإنَّ الصِّيامَ يَقومُ مقامَ الإطعامِ في التَّكفيرِ للسَّيِّئاتِ كما يَقومُ مقامَهُ في كفَّاراتِ الأيمانِ وغيرِها مِن الكفَّاراتِ مثلِ كفَّارةِ القتلِ والوطءِ في رمضانَ والظِّهارِ.

* ومنها: أن معاودةَ الصِّيامِ بعدَ صيامِ رمضانَ علامةٌ على قبولِ صومِ رمضانَ؛ فإنَّ الله إذا تَقَبَّلَ عملَ عبدٍ وَفَّقَهُ لعملٍ صالحٍ بعدَهُ، كما قالَ بعضُهُم: ثوابُ الحسنةِ الحسنةُ بعدَها، فمَن عَمِلَ حسنةً ثمَّ أتْبَعَها بحسنةٍ بعدَها؛ كانَ ذلكَ علامةً على قبولِ الحسنةِ الأُولى، كما أن مَن عَمِلَ حسنةً ثمَّ أتْبَعَها بسيِّئةٍ؛ كانَ ذلكَ علامةَ ردِّ الحسنةِ وعدمِ قبولِها.

* ومنها: أن صيامَ رمضانَ يُوجِبُ مغفرةَ ما تَقَدَّمَ مِن الذُّنوبِ كما سَبَقَ ذكرُهُ، وأنَّ الصَّائمينَ لرمضانَ يُوَفَّوْنَ أُجورَهُم في يومِ الفطرِ، وهوَ يومُ الجوائزِ. فيَكونُ معاودةُ الصِّيامِ بعدَ الفطرِ شكرًا لهذهِ النِّعمةِ، فلا نعمةَ أعظمُ مِن مغفرةِ الذُّنوبِ.

كانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقومُ حتَّى تتوَرَّمَ قدماهُ، فيُقالُ لهُ: أتَفْعَلُ ذلكَ وقد غَفَرَ اللهُ لكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذنبِكَ وما تَأخَّرَ؟ فيَقولُ: "أفلا أكونُ عبدًا شكورًا؟ " (٢).

وقد أمَرَ اللهُ سبحانَهُ عبادَهُ بشكرِ نعمةِ صيامِ رمضانَ بإظهارِ ذكرِهِ وغيرِ ذلكَ مِن أنواعِ شكرِهِ، فقالَ تَعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: ١٨٥]. فمِن جملةِ شكرِ العبدِ لربِّهِ على توفيقِهِ لصيامِ رمضان وإعانتِهِ عليهِ ومغفرةِ ذنوبِهِ أنْ يَصومَ لهُ شكرًا عقيبَ ذلكَ.

كانَ بعضُ السَّلفِ إذا وُفِّقَ لقيامِ ليلةٍ مِن الليالي؛ أصْبَحَ في نهارِها صائمًا، ويَجْعَلُ صيامَهُ شكرًا للتَّوفيقِ للقيامِ.


(١) إن صحّ هذا عن عمر بن عبد العزيز؛ فإنّما قاله لتطييب قلب من لم يجد ما ينفقه زكاة لفطره وجبر إحساسه بنقص صومه. والأصل أنّ من لم يجد ما ينفقه زكاة لفطره فلا صيام عليه ولا غيره.
(٢) رواه: البخاري (١٩ - التهجّد، ٦ - قيام النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ٣/ ١٤/ ١١٣٩)، ومسلم (٥٠ - المنافقين، ١٨ - إكثار الأعمال، ٤/ ٢١٧١/ ٢٨١٩)؛ من حديث المغيرة بن شعبة.

<<  <   >  >>