وكانَ وُهَيْبُ بنُ الوَرْدِ يُسْألُ عن ثوابِ شيءٍ مِن الأعمالِ كالطَّوافِ ونحوِهِ، فيَقولُ: لا تَسْألوا عن ثوابِهِ، ولكنْ سَلُوا ما الذي على مَن وُفِّقَ لهذا العملِ مِن الشُّكرِ للتَّوفيقِ والإعانةِ عليهِ.
إذا أنْتَ لَمْ تَزْدَدْ عَلى كُلِّ نِعْمَةٍ … لِمُولِيكَها شُكْرًا فَلَسْتَ بِشاكِرِ
كلُّ نعمةٍ على العبدِ مِن اللهِ في دينٍ أو دنيا تَحْتاجُ إلى شكرٍ عليها، ثمَّ التَّوفيقُ للشُّكرِ عليها نعمةٌ أُخرى تَحْتاجُ إلى شكرٍ ثانٍ، دمَّ التَّوفيقُ للشُّكرِ الثَّاني نعمةٌ أُخرى تَحْتاجُ إلى شكرٍ آخرَ … وهكذا أبدًا، فلا يَقْدِرُ العبادُ على القيامِ بشكرِ النِّعمِ.
وحقيقةُ الشُّكرِ الاعترافُ بالعجزِ عن الشُّكرِ، كما قيلَ:
إذا كانَ شُكْري نِعْمَةَ اللهِ نِعْمَةً … عَلَيَّ لَهُ في مِثْلِها يَجِبُ الشُّكْرُ
فَكَيْفَ بُلوغُ الشُّكْرِ إلَّا بِفَضْلِهِ … وَإنْ طالَتِ الأيَّامُ وَاتَّصَلَ العُمْرُ
قالَ أبو عَمْرٍو الشَّيْبانِيُّ: قالَ موسى عليهِ السَّلامُ يومَ الطُّورِ: يا ربِّ! إنْ أنا صَلَّيْتُ فمِن قِبَلِكَ، وإنْ أنا تَصَدَّقْتُ فمِنْ قِبَلِكَ، وإنْ بَلَّغْتُ رسالاتِكَ فمِن قِبَلِكَ؛ فكَيْفَ أشْكُرُكَ؟ قالَ: يا موسى! الآنَ شَكَرْتَني.
فأمَّا مقابلةُ نعمةِ التَّوفيقِ لصيامِ رمضانَ بارتكابِ المعاصي بعدَهُ؛ فهوَ مِن فعلِ مَن بَدَّلَ نعمةَ اللهِ كفرًا. فإنْ كانَ قد عَزَمَ في صيامِهِ على معاودةِ المعاصي بعدَ انقضاءِ الصِّيامِ؛ فصيامُهُ عليهِ مردودٌ وبابُ الرَّحمةِ في وجهِهِ مسدودٌ.
قالَ كعبٌ: مَن صامَ رمضانَ وهوَ يُحَدِّثُ نفسَهُ أنَّهُ إذا أفْطَرَ رمضانَ أنْ لا يَعْصِيَ الله؛ دَخَلَ الجنَّةَ بغيرِ مسألةٍ ولا حسابٍ، ومَن صامَ رمضانَ وهوَ يُحَدِّثُ نفسَهُ أنَّهُ إذا أفْطَرَ عَصى الله؛ فصيامُهُ عليهِ مردودٌ.
* ومنها: أن الأعمالَ التي كانَ العبدُ يَتَقَرَّبُ بها إلى ربِّهِ في شهرِ رمضانَ لا تَنْقَطِعُ بانقضاءِ رمضانَ، بل هيَ باقيةٌ بعدَ انقضائِهِ ما دامَ العبدُ حيًّا.
وهذا معنى الحديثِ المتقدِّمِ؛ أن الصَّائمَ بعدَ رمضانَ كالكارِّ بعدَ الفارِّ (١)؛ يَعْني:
(١) (ضعيف جدًّا). تقدّم تفصيل القول فيه (ص ٤٩٠).