للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كالذي يَفِرُّ مِن القتالِ في سبيلِ اللهِ ثمَّ يَعودُ إليهِ، وذلكَ لأنَّ كثيرًا مِن النَّاسِ يَفْرَحُ بانقضاءِ شهرِ رمضانَ لاستثقالِ الصِّيامِ ومللِهِ وطولِهِ عليهِ، ومَن كانَ كذلكَ؛ فلا يَكادُ يَعودُ إلى الصِّيامِ سريعًا، فالعائدُ إلى الصِّيامِ بعدَ فطرِهِ يومَ الفطرِ يَدُلُّ عودُهُ على رغبتِهِ في الصِّيامِ وأنَّهُ لم يَمَلَّهُ ولم يَسْتَثْقِلْهُ ولا تَكَرَّهَ بهِ.

وفي حديثِ خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ مرفوعًا: "أحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ الحالُّ المرتحلُ" (١). وفُسِّرَ بصاحبِ القرآنِ يَضْرِبُ مِن أوَّلِهِ إلى آخرِهِ ومِن آخرِهِ إلى أوَّلِهِ، فكلَّما حَلَّ ارْتَحَلَ (٢). والعائدُ إلى الصِّيامِ سريعًا بعدَ فراغِ صيامِهِ شبيهٌ بقارئ القرآنِ إذا فَرَغَ مِن قراءتِهِ ثمَّ عادَ إليهِ في المعنى. واللهُ أعلمُ.

قيلَ لبِشْرٍ: إنَّ قومًا يَتَعَبَّدونَ ويَجْتَهِدونَ في رمضانَ. فقالَ: بئسَ القومُ قومٌ لا يَعْرِفونَ للهِ حقًّا إلَّا في شهرِ رمضانَ، إنَّ الصَّالحَ الذي يَتَعَبَّدُ ويَجْتَهِدُ السَّنةَ كلَّها.

وسُئِلَ الشِّبْلِيُّ: أيُّما أفضلُ؛ رجبٌ أو شعبانُ؟ فقالَ: كُنْ ربَّانيًّا، ولا تَكُنْ


(١) (ضعيف). رواه: الترمذي (٤٧ - القراءات، ١٣ - باب، ٥/ ١٩٧/ ٢٩٤٨)، والطبراني (١٢/ ١٣٠/ ١٢٧٨٣)، والرامهرمزي في "الأمثال" (٨٥)، وأبو نعيم في "الحلية" (٢/ ٢٦٠، ٦/ ١٧٤)، والحاكم (١/ ٥٦٨)، والبيهقي في "الشعب" (٢٠٠١ و ٢٠٦٩)، والمزّي في "التهذيب" (٣٠/ ٣٨٥)، والذهبي في "النبلاء" (٤/ ٥١٦)؛ من طرق، عن صالح المزي، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن ابن عبّاس … رفعه. قال الترمذي والحاكم وأبو نعيم: "تفرّد به صالح المرّي". وقال الذهبي: "صالح متروك". قلت: هذه علّة، وهاهنا علّة أُخرى فقد رواه: الدارمي (٢/ ٤٦٩)، والترمذي (الموضع السابق)؛ عن صالح، عن قتادة، عن زرارة … مرسلًا. قال الترمذي: "هذا عندي أصحّ".
ورواه الحاكم (١/ ٥٦٩) من طريق مقدام بن داوود الرعيني، عن خالد بن نزار، عن الليث بن سعد، عن مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن الأعرج، عن أبي هريرة … رفعه. قال الذهبي: "لم يتكلّم عليه الحاكم، وهو موضوع على سند الصحيحين، والمقدام متكلّم فيه، والآفة منه".
ورواه ابن المبارك في "الزهد" (٨٠٠): أنا إسماعيل بن رافع، عن رجل من الإسكندريّة، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. وإسماعيل واهٍ، وفيه الرجل المبهم، ثمّ هو مرسل بعد ذلك أو معضل.
وجملة القول أنّ الحديث جاء عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من أوجه ثلاثة شديدة الضعف لا يفيدها اجتماعها قوّة، ولذلك ضعّفه الترمذي والحاكم وأبو نعيم والذهبي والألباني.
(٢) جاء في حاشية خ هنا: "وقال الشيخ محيي الدين النووي في كتابه "آداب حملة القرآن": يستحبّ إذا فرغ من الختمة أن يشرع في أُخرى عقيب الختمة، فقد استحبّه السلف واحتجّوا فيه بحديث أنس رضي الله عنه أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: خير الأعمال الحل والرحلة. قيل: وما هما؟ قال: افتتاح القرآن وختمه".

<<  <   >  >>