للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وخَرَّجَ أيضًا مِن مراسيلِ عَلِيِّ بن الحُسَيْنِ؛ أن رجلًا سَألَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن الجهادِ؟ فقالَ: "ألا أدُلُّكَ على جهادٍ لا شوكةَ فيهِ؟ الحجُّ" (١).

وفيهِ: عن عُمَرَ؛ أنَّهُ قالَ: إذا وَضَعْتُمُ السُّروجَ (يَعْني: مِن سفرِ الجهادِ)؛ فشُدُّوا الرِّحالَ إلى الحجِّ والعمرةِ؛ فإنَّهُ أحدُ الجهادينِ. وذَكَرَهُ البُخارِيُّ تعليقًا.

وقالَ ابنُ مَسْعودٍ: إنَّما هوَ سرجٌ ورحلٌ؛ فالسَّرجُ في سبيلِ اللهِ، والرَّحلُ [في] الحجِّ. خَرَّجَهُ الإمامُ أحْمَدُ في "مناسكِهِ".

وإنَّما كانَ الحجُّ والعمرةُ جهادًا؛ لأنَّهُ يُجْهِدُ المالَ والنَّفسَ والبدنَ، كما قالَ أبو الشَّعْثاءِ: نَظَرْتُ في أعمالِ البرِّ، فإذا الصَّلاةُ تُجْهِدُ البدنَ دونَ المالِ، والصِّيامُ كذلكَ، والحجُّ يُجْهِدُهُما، فرَأيْتُهُ أفضلَ.

ورَوى عَبْدُ الرَّزَّاقِ بإسنادِهِ: عن أبي موسى الأشْعَرِيِّ؛ أن رجلًا سَألَهُ عن الحجِّ. قالَ: إنَّ الحاجَّ يَشْفَعُ في أربعِ مئةِ بيتٍ مِن قومِهِ، ويُبارَكُ في أربعينَ مِن أُمَّهاتِ البعيرِ الذي حَمَلَهُ، ويَخْرُجُ مِن ذنوبِهِ كيومَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ. فقالَ لهُ رجل: يا أبا موسى! إنِّي كُنْتُ أُعالِجُ الحجَّ، وقد كَبِرْتُ وضَعُفْتُ، فهلْ مِن شيءٍ يَعْدِلُ الحجَّ؟ فقالَ لهُ: هل تَسْتَطيعُ أنْ تَعْتِقَ سبعينَ رقبةً مؤمنةً مِن ولدِ إسْماعيلَ؟! فأمَّا الحلُّ والرَّحيلُ؛ فلا أجِدُ لهُ عدلًا (أو قالَ: مثلًا) (٢).

وبإسنادِهِ عن طاووسٍ؛ أنَّهُ سُئِلَ: هلِ الحجُّ بعدَ الفريضةِ أفضلُ أمِ الصَّدقةُ؟ قالَ: فأينَ الحلُّ والرَّحيلُ والسَّهرُ والنَّصبُ والطَّوافُ بالبيتِ والصَّلاةُ عندَهُ والوقوفُ بعرفةَ وجمعٍ ورميُ الجمارِ؟! كأنَّهُ يَقولُ: الحجُّ أفضلُ.

• وقدِ اخْتَلَفَ العلماءُ في تفضيلِ الحجِّ تطوُّعًا على الصَّدقةِ:

فمنهُم مَن رَجَّحَ الحجَّ، كما قالَ طاووسٌ وأبو الشَّعثاءِ وقالَهُ الحَسَنُ أيضًا.

ومنهُم مَن رَجَّحَ الصَّدقةَ، وهوَ قولُ النَّخَعِيِّ.


(١) (ضعيف). رواه: عبد الرزّاق (٨٨٠٩)، وعليّ بن الجعد (٢٤٧٨)؛ من طريق معاوية بن إسحاق، عن عباية بن رفاعة، عن عليّ بن الحسين، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. وهذا سند رجاله ثقات، لكنّه مرسل.
(٢) (ضعيف موقوفا ومرفوعا). تقدّم تفصيل القول فيه (ص ١٥٨).

<<  <   >  >>