للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والإحسانُ إلى الرِّفقةِ في السَّفرِ أفضلُ مِن العبادةِ القاصرةِ، لا سيَّما إنِ احْتاجَ العابدُ إلى خدمةِ إخوانِهِ.

وقد كانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في سفرٍ في حرٍّ شديدٍ، ومعَهُ مَن هوَ صائمٌ ومفطرٌ، فسَقَطَ الصُّوَامُ وقامَ المفطرونَ فضَرَبوا الأبنيةَ وسَقَوُا الرَكابَ، فقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ذَهَبَ المفطرونَ اليومَ بالأجرِ" (١).

ورُوِيَ أنَّهُّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ في سفرٍ، فرَأى رجلًا صائمًا، فقالَ لهُ: "ما حَمَلَكَ على الصَّومِ في السَّفرِ؟ ". فقالَ: معي ابنايَ يَرْحَلانِ بي ويَخْدُماني. فقالَ لهُ: "ما زالَ لهُما الفضلُ عليكَ" (٢).

وفي "مراسيل أبي داوود": عن أبي قِلابَةَ؟ قالَ: قَدِمَ ناسٌ مِن أصحابِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِن سفرٍ يُثْنونَ على صاحبٍ لهُم؛ قالوا: ما رَأيْنا مثلَ فلانٍ قطُّ، ما كانَ في مسيرٍ إلَّا كانَ في قراءةٍ، ولا نَزَلْنا منزلًا إلَّا كانَ في صلاةٍ! قالَ: "فمَن كانَ يَكْفيهِ ضَيْعَتَهُ … (حتَّى ذَكَرَ) ومَن كانَ يَعْلِفُ دابَّتَهُ؟ ". قالوا: نحنُ. قالَ: "فكلُّكم خيرٌ منهُ" (٣).

وقالَ مُجاهِدٌ: صَحِبْتُ ابنَ عُمَرَ في السَّفرِ لأخْدُمَهُ فكانَ يَخْدُمُني.

وكانَ كثيرٌ مِن السَّلفِ يَشْتَرِطُ على أصحابِهِ في السَّفرِ أنْ يَخْدُمَهُمُ اغتنامًا لأجرِ ذلكَ، منهُم عامِرُ بنُ عَبْدِ قَيْسٍ وعَمْرُو بنُ عُتْبَةَ بن فَرْقَدٍ، معَ اجتهادِهِما في العبادةِ في أنفسِهِما. وكذلكَ كانَ إبْراهيمُ بنُ أدْهَمَ يَشْتَرِطُ على أصحابِهِ في السَّفرِ الخدمةَ والأذانَ (٤).

وكانَ رجلٌ مِن الصَّالحينَ يَصْحَبُ إخوانَهُ في سفرِ الجهادِ وغيرِهِ فيَشْتَرِطُ عليهِم


(١) رواه: البخاري (٥٩ - الجهاد، ٧١ - فضل الخدمة، ٦/ ٨٤/ ٢٨٩٠)، ومسلم (١٣ - الصيام، ١٦ - أجر المفطر، ٢/ ٧٨٨/ ١١١٩)؛ من حديث أنس.
(٢) (لم أقف عليه).
(٣) (ضعيف). رواه: سعيد بن منصور في "السنن" (٢٩١٩)، وأبو داوود في "المراسيل" (٣٠٦)؛ من طريق أيّوب، عن أبي قلابة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهذا سند رجاله ثقات ولكنّه ضعيف لإرساله.
(٤) وسنّة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وسيرة أصحابه أولى بالاتّباع؛ كانوا يسافرون فيَخدمون ويُخدمون، فلا ينتظرون من الناس أن يخدموهم فضلًا عن أن يسألوهم الخدمة ولا يشترطون على الناس أن يخدموهم طلبًا للأجر فضلًا عن أن يمنعوا أحدًا من خدمة نفسه! كانوا أكمل الناس؛ لا غلوّ ولا تقصير ولا إفراط ولا تفريط.

<<  <   >  >>