للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقيلَ للحَسَن: إنَّ فلانًا لا يَعِظُ وتقولُ: أخافُ أنْ أقولَ ما لا أفْعَلُ. [فـ]ـقالَ الحَسَنُ: وأيُّنا يَفْعَلُ ما يَقولُ؟! وَدَّ الشَّيطانُ أنَّهُ قدْ ظَفِرَ بهذا فلمْ يَأْمُرْ أحدٌ بمعروفٍ ولمْ يَنْهَ عن منكرٍ.

وقال مالِكٌ: عن رَبيعَةَ، قال سَعيدُ بنُ جُبَيْرٍ: لو كانَ المرءُ لا يَأْمُرُ بالمعروفِ ولا يَنْهى عن المنكرِ حتَّى لا يَكونَ فيهِ شيءٌ؟ ما أمَرَ أحدٌ بمعروفٍ ولا نَهى عن منكرٍ. قال مالِكٌ: وصَدَقَ، ومَن [ذا] الذي ليسَ فيهِ شيءٌ؟!

مَنْ ذا الَّذي ما ساءَ قَطْ … وَمَنْ لَهُ الحُسْنى فَقَطْ (١)

خَطَبَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزيزِ رَحِمَهُ اللهُ يومًا، فقال في موعظتِهِ: إنِّي لأقولُ هذهِ المقالةَ وما أعْلَمُ عندَ أحدٍ مِن الذُّنوبِ أكثرَ ممَّا أعْلَمُ عندي، فأسْتَغْفِرُ الله وأتوبُ إليهِ.

وكَتَبَ إلى بعضِ نوَّابِهِ على بعضِ الأمصارِ كتابًا يَعِظُهُ فيهِ فقال في آخرِهِ: وإنِّي لأعِظُكَ بهذا، وإنِّي لكثيرُ الإسرافِ على نفسي، غيرُ مُحْكِمٍ لكثيرٍ مِن أمري، ولو أن المرءَ لا يَعِظُ أخاهُ حتَّى يُحْكِمَ نفسَهُ؛ إذًا لتَواكَلَ النَّاسُ الخيرَ (٢)، وإذا لَرُفعَ الأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عن المنكرِ، وإذًا لاسْتُحِلَّتِ المحارمُ وقَلَّ الواعظونَ والسَّاعون للهِ بالنَّصيحةِ في الأرضِ، والشَّيطانُ وأعوانُهُ يَوَدُّونَ أنْ لا يَأمُرَ أحدٌ بمعروفٍ ولا يَنْهى عن منكرٍ، وإذا أمَرَهُمْ أحدٌ أو نَهاهُمْ؛ عابوهُ بما فيهِ وبما ليسَ فيهِ، كما قيلَ:

وَأُعْلِنَتِ الفَواحِشُ في البَوادي … وَصارَ النَّاسُ أعْوانَ المُريبِ

إذا ما عِبْتُهُمْ عابوا مَقالي … لِما في القَوْمِ مِنْ تِلْكَ العُيوبِ

وَوَدُّوا لَوْ كَفَفْنا فَاسْتَوَيْنا … فَصارَ النَّاسُ كَالشَّيْءِ المَشوبِ

وَكُنَّا نَسْتَطِبُّ إذا مَرِضْنا … فَصارَ هَلاكُنا بِيَدِ الطَّبيبِ

كانَ بعضُ العلماءِ المشهورينَ لهُ مجلسٌ للوعظِ، فجَلَسَ فيهِ يومًا، فنَظَرَ إلى مَن


= فحديث أبي هريرة ساقط بوجهيه، وحديث أنس دونه بكثير، واجتماعهما لا يفيد الحديث شيئًا، وقد مال إلى ضعفه ابن عدي والهيثمي، وقال الألباني: "ضعيف جدًّا".
(١) زاد في حاشية خ هنا: "محمد الهادي الذي عليه جبريل هبط".
(٢) يعني: ترك كلّ واحد من الناس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لغيره بحجّة أنّه عاصٍ لله تعالى لا يليق أن يتولّى هذه المهمة.

<<  <   >  >>