للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حولَهُ - وهُم خلقٌ كثيرٌ وما منهُم إلَّا مَن قد رَقَّ قلبُهُ أو دَمَعَتْ عينُهُ -، فقالَ لنفسِهِ فيما بينَهُ وبينَها: كيفَ بكِ إنْ نَجا هؤلاءِ وهَلَكْتِ أنتِ؟ ثمَّ قالَ في نفسِهِ: اللهمَّ! إنْ قَضَيْتَ عليَّ غدًا بالعذابِ؛ فلا تُعْلِمْ هؤلاءِ بعذابي؛ صيانةً لكرمِكَ لا لأجلي؛ لئلَّا يُقالَ: عَذَّبَ مَن كانَ في الدُّنيا يَدُلُّ عليهِ. إلهي! قدْ قيلَ لنبيِّكَ - صلى الله عليه وسلم -: اقْتُلِ ابنَ أبيٍّ المنافقَ! فقالَ: "لا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أن مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أصحابَهُ" (١)، فامْتَنَعَ مِن عقابِهِ لمَّا كانَ في الظَّاهرِ يُنْسَبُ إليهِ، وأنا على كلِّ حالٍ فإليكَ أُنْسَبُ.

زَوَّرَ رجلٌ شفاعةً إلى بعضِ الملوكِ على لسانِ بعضِ أكابرِ الدَّولةِ، فاطَّلَعَ المزوَّرُ عليهِ على الحالِ، فسَعى عندَ الملكِ في قضاءِ تلكَ الحاجةِ واجْتَهَدَ حتَّى قُضِيَتْ، ثمَّ قالَ للمزوِّرِ عليهِ: ما كنَّا نُخَيِّبُ مَن عَلَّقَ أملَهُ بنا ورَجا النَّفعَ مِن جهتِنا.

إلهي! فأنتَ أكرمُ الأكرمين وأرحمُ الرَّاحمين، فلا تُخَيِّبْ مَن عَلَّقَ أملَهُ ورجاءَهُ بكَ وانْتَسَبَ إليكَ ودَعا عبادَكَ إلى بابِكَ، و [إنْ] كانَ متطفِّلًا على كرمِكَ ولمْ يَكُنْ أهلًا للسَّمسرةِ بينَكَ وبينَ عبادِكَ، لكنَّـ[ـهُ]، طَمعَ في سعةِ جودِكَ وكرمِكَ، فأنتَ أهلُ الجودِ والكرمِ، وربَّما اسْتَحْيا الكريمُ مِن رَدِّ مَن تَطَفَّلَ على سِماطِ كرمِهِ.

إنْ كُنْتُ لا أصْلُحُ لِلْقُرْبِ … فَشَأْنكُمْ صَفْح عَنِ الذَّنْبِ

• وقولُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "لو لمْ تذْنِبوا؛ لجاءَ اللهُ بخلقٍ جديدٍ حتَّى يُذْنِبوا فيَغْفِرَ لهُم":

وخَرَّجَهُ مُسْلِمٌ (٢) مِن وجهٍ آخرَ: عن أبي هُرَيْرَةَ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ قالَ: "لو لمْ تُذْنِبوا؛ لَذَهَبَ اللهُ بكم، ثمَّ جاءَ بقومٍ يُذْنِبونَ ثمَّ يَسْتَغْفِرونَ فيَغْفِرُ لهُم".

ومِن حديثِ: أبي أيُّوبَ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ [قالَ]: "لولا أنَّكُم تُذْنِبونَ؛ لَخَلَقَ اللهُ خلقًا يُذْنِبونَ، ثمَّ يَغْفِرُ لهُم". وفي رواية [لهُ] أيضًا: "لو لمْ يَكُنْ لكُم ذنوبٌ يَغْفِرُها اللهُ؛ لَجاءَ اللهُ بقومٍ لهُم ذنوبٌ، فيَغْفِرُها لهُم" (٣).


(١) رواه: البخاري (٦١ - المناقب، ٨ - ما ينهى من دعوى الجاهليّة، ٦/ ٥٤٦/ ٣٥١٨)، ومسلم (٤٥ - البرّ، ١٦ - نصر الأخ، ٤/ ١٩٩٨/ ٢٥٨٤)؛ من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(٢) (٤٩ - التوبة، ٢ - سقوط الذُّنوب بالاستغفار، ٤/ ٢١٠٦/ ٢٧٤٩).
(٣) وكلا الروايتين عند مسلم (الموضع السابق، ٤/ ٢١٠٥/ ٢٧٤٨).

<<  <   >  >>