منها؛ تاقَتْ إلى ما هوَ أعلى مِن الدُّنيا (يَعْني: الآخرةَ).
عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْمِ تَأْتي العَزائِمُ … وَتَأْتي عَلى قَدْرِ الكِرامِ المَكارِمُ
قيمةُ كلِّ إنسانٍ ما يَطْلُبُ، فمَن كانَ يَطْلُبُ الدُّنيا؛ فلا أدنى منهُ؛ فإنَّ الدُّنيا دنيَّةٌ، وأدنى منها مَن يَطْلُبُها، وهيَ خسيسةٌ، وأخسُّ منها مَن يَخْطُبُها.
قالَ بعضُهُم: القلوبُ جوَّالةٌ، فقلبٌ يَجولُ حولَ العرشِ، وقلبٌ يَجولُ حولَ الحُشِّ. الدُّنيا كلُّها حُشٌّ، وكلُّ ما فيها مِن مطعمٍ ومشربٍ يَؤُولُ إلى الحُشِّ، وما فيها مِن أجسامٍ ولباسٍ يَصيرُ ترابًا، كما قيلَ: وكلُّ الذي فوقَ التُّرابِ تُرابُ.
وقالَ بعضُهُم في يومِ عيدٍ لإخوانِهِ: هل تَنْظُرونَ إلَّا خرقًا تَبْلى أو لحمًا يَأْكُلُهُ الدُّودُ غدًا؟!
وأمَّا مَن كانَ يَطْلُبُ الآخرةَ؛ فقدرُهُ خطيرٌ؛ لأنَّ الآخرةَ خطيرةٌ شريفةٌ، ومَن يَطْلُبُها أشرفُ منها، كما قيلَ:
أُثامِنُ بِالنَّفسِ النَّفيسَةِ رَبَّها … وَلَيْسَ لَها في الخَلْقِ كُلِّهِمُ ثَمَنْ
بِها تُدْرَكُ الأُخْرى فَإنْ أنا بِعْتُها … بِشَيْءٍ مِنَ الدُّنْيا فذاكَ هُوَ الغَبَنْ
لَئِنْ ذَهَبَتْ نَفْسي بِدُنْيا أصَبْتُها … لَقَدْ ذَهَبَتْ نَفْسي وَقَدْ ذَهَبَ الثَّمَنْ
وأمَّا مَن كانَ يَطْلُبُ الله؛ فهوَ أكبرُ النَّاسِ عندَهُ، كما أن مطلوبَهُ أكبرُ مِن كلِّ شيءٍ، كما قيلَ:
لَهُ هِمَمٌ لا مُنْتَهى لِكِبارِها … وَهِمَّتُهُ الصُّغْرى أجَلُّ مِنَ الدَّهْرِ
قالَ الشِّبْلِيُّ: مَن رَكَنَ إلى الدُّنيا؛ أحْرَقَتْهُ بنارِها، فصارَ رمادًا تَذْروهُ الرِّياحُ، ومَن رَكَنَ إلى الآخرةِ أحْرَقَتْهُ بنورِها، فصارَ سبيكةَ ذهبٍ يُنْتَفَعُ بهِ، ومَن رَكَنَ إلى اللهِ؛ أحْرَقَهُ بنورِ التَّوحيدِ، فصارَ جوهرًا لا قيمةَ لهُ (١).
العالي الهمَّةِ يَجْتَهِدُ في نيلِ مطلوبِه، ويَبْذُلُ وسعَهُ في الوصولِ إلى رضى
(١) يعني: لا قيمة تعادله أو تساويه.