للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ورَأى رجلًا يُكْثِرُ الصَّلاةَ، فقالَ: "إنَّكُم أُمَّةٌ أُريدَ بكُمُ اليسرَ" (١).

ولم يَكُنْ أكثرُ تطوُّعِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وخواصِّ أصحابِهِ بكثرةِ الصَّومِ والصَّلاةِ، بل ببرِّ القلوبِ وطهارتِها وسلامتِها وقوَّةِ تعلُّقِها باللهِ خشيةً لهُ ومحبّهً وإجلالًا وتعظيمًا ورغبةً فيما عندَهُ وزهدًا فيما يَفْنى.

وفي "المسند": عن عائِشَةَ؛ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إنِّي أعلمُكُم باللهِ وأتقاكُم لهُ قلبًا" (٢).

قالَ ابنُ مَسْعودٍ لأصحابِهِ: أنتم أكثرُ صلاةً وصيامًا مِن أصحابِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وهُم كانوا خيرًا منكُم. قالوا: ولمَ؟ قالَ: كانوا أزهدَ منكُم في الدُّنيا وأرغبَ في الآخرةِ.

وقال بَكْرٌ المُزنِيُّ: ما سَبَقَهُم أبو بَكْرٍ بكثرةِ صيامٍ ولا صلاةٍ، ولكنْ بشيءٍ وَقَرَ في صدرِهِ. قالَ بعضُ العلماءِ المتقدِّمينَ: الذي وَقَرَ في صدرِهِ هوَ حبُّ اللهِ والنَّصيحةُ لخلقِهِ.

وسُئِلَتْ فاطِمَةُ بنتُ عَبْدِ المَلِكِ زوجةُ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزيزِ بعدَ وفاتِهِ عن عملِهِ. فقالَتْ: واللهِ، ما كانَ بأكثرَ النَّاسِ صلاةً ولا بأكثرِهِم صيامًا، ولكنْ واللهِ ما رَأيْتُ أحدًا أخوفَ للهِ مِن عُمَرَ، لقد كانَ يَذْكُرُ اللهَ في فراشِهِ فيَنْتَفِضُ انتفاضَ العصفورِ مِن شدَّةِ الخوفِ حتَّى نَقولَ: لَيُصْبِحَنَّ النَّاسُ ولا خليفةَ لهُم.


= أنس … رفعه. والطرق الثلاث ضعيفة، لكنّ اجتماعها يرشّح الحديث للانتفاع بالشواهد. ورواه: مسدّد في "المسند" (٢/ ٥٨ - إصابة)، وأحمد بن منيع في "المسند" (٢/ ٥٨ - إصابة)، والروياني (٥٨)؛ من طريقين، عن رجل من أسلم … رفعه. وإحدى طريقيه قويّة.
ورواه أحمد (٣/ ٤٧٩) من طريق أبي هلال الراسبي، سمعت حميد بن هلال، عن أبي قتادة، عن أعرابيّ … رفعه. قال العسقلاني: "سند صحيح". قلت: في أبي هلال كلام، وحديثه ليّن.
وهذا اللفظ صحيح بمجموع هذه الطرق، وقد مال إلى تقويته الضياء المقدسيّ والعراقي والهيثمي والعسقلاني والعجلوني والمناوي.
(١) (حسن بشواهده). هذا أحد ألفاظ حديث عبد الله بن شقيق المتقدّم بيان ضعفه آنفًا. لكن يشهد لهذه القطعة الطرق الأُخرى المتقدّمة وقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}.
(٢) رواه: أحمد (٦/ ٦١)، والبخاري (٢ - الإيمان، ١٣ - أنا أعلمكم بالله، ١/ ٧٠/ ٢٠)؛ من الطريق نفسها عن عائشة.

<<  <   >  >>