للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويُفْسِدُهُ، فإذا نُظِّفَتِ الأرضُ مِن دغلِها زَكا ما يَنْبُتُ فيها ونَما.

قالَ يَحْيى بنُ مُعاذٍ: كم مِن مُسْتَغْفِرٍ ممقوتٍ وساكتٍ مرحومٍ؛ هذا اسْتَغْفَرَ وقلبُهُ فاجرٌ، وهذا سَكَتَ وقلبُهُ ذاكرٌ (١).

وقالَ غيرُهُ: ليسَ الشَّأْنُ فيمَن يَقومُ الليلَ، إنَّما الشَّأْنُ فيمَن يَنامُ على فراشِهِ ثمَّ يُصْبِحُ وقد سَبَقَ الرَّكبَ.

مَن سارَ على طريقِ الرَّسولِ - صلى الله عليه وسلم - ومنهاجِهِ وإنِ اقْتَصَد فإنَّهُ يَسْبِقُ مَن سارَ على غيرِ طريقِهِ وإنِ اجْتَهَد.

مَنْ لي بِمِثْلِ سَيْرِكَ المُدَلَّلِ … تَمْشي رُوَيْدًا وتَجي في الأوَّلِ

• والمقصودُ أنَّ هذا الباهِلِيَ لمَّا رَآهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وقد أنْهَكَهُ الصَّومُ وغَيَّرَ هيئتَهُ وأضَرَّ بهِ في جسدِهِ؛ أمَرَهُ [أوَّلًا] أنْ يَقْتَصِرَ على صيامِ شهرِ الصَّبرِ، وهوَ شهرُ رمضانَ؛ فإنَّهُ الشَّهرُ الذي افْتَرَضَ اللهُ صيامَهُ على المسلمينَ، واكْتَفى منهُم بصيامِهِ مِن السَّنةِ كلِّها، وصيامُهُ كفَّارةٌ لِما بينَ الرَّمضانينِ إذا اجْتُنِبَتِ الكبائرُ. فطَلَبَ منهُ الباهِلِيُّ أنْ يَزيدَهُ مِن الصِّيامِ ويَأْمُرَهُ بالتَّطوُّعِ وأخْبَرَهُ أنَّهُ يَجِدُ قوَّةً على الصِّيامِ، فقالَ لهُ: "صُمْ يومًا مِن الشَّهرِ". فاسْتَزادَهُ، وقالَ: إنِّي أجِدُ قوَّةً. فقالَ: "صُمْ يومينِ مِن الشَّهرِ". فاسْتَزادَهُ، وقالَ: إنِّي أجِدُ قوَّةً. فقالَ: "صُمْ ثلاثةَ أيَّامٍ مِن الشَّهرِ". قالَ: وألَحَّ عندَ الثَّالثةِ فما كادَ؛ يَعْني: ما كادَ يَزيدُهُ على الثَّلاثةِ أيَّامٍ مِن الشَّهرِ.

وهكذا قالَ لعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العاصِ أيضًا، ففي "صحيح مسلم" (٢) عنهُ: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ لهُ: "صُمْ يومًا (يَعْني: مِن الشَّهرِ) ولكَ أجرُ ما بَقِيَ". قالَ: إنِّي أُطيقُ أكثرَ مِن ذلكَ. قالَ: "صُمْ يومينِ ولكَ أجرُ ما بَقِيَ". قالَ: إنِّي أُطيقُ أكثرَ مِن ذلكَ. قالَ: "صُمْ ثلاثةَ أيَّامٍ ولكَ أجرُ ما بَقِيَ".

ففي هذا أنَّ صيامَ يومٍ مِن الشَّهرِ يَحْصُلُ بهِ أجرُ صيامِ الشَّهرِ كلِّهِ، وكذلكَ صيامُ


(١) في خ: "هذا يستغفر وقلبه فاجر وهذا ساكت وقلبه ذاكر".
(٢) (١٣ - الصيام، ٣٥ - النهي عن صوم الدهر، ٢/ ٨١٧/ ١٩١). والحديث عند البخاري أيضًا كما تقدّم (ص ٢٩٥). لكن الكلام هنا في هذا اللفظ بالتحديد.

<<  <   >  >>