للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يومينِ منهُ. ووجهُ ذلكَ أنَّ الصِّيامَ يُضاعَفُ ما لا يُضاعَفُ غيرُهُ مِن الأعمالِ، وقد سَبَقَ ذكرُ ذلكَ عندَ الكلامِ على حديثِ "كلُّ عملِ ابنِ آدَمَ لهُ الحسنةُ بعشرِ أمثالِها إلى سبعِ مئةِ ضعفٍ، قالَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: إلَّا الصِّيامَ؛ فإنَّهُ لي وأنا أجزي بهِ" (١)، فالصِّيامُ لا يَعْلَمُ منتهى مضاعفتِهِ إلَّا اللهُ عَزَّ وجَلَّ، وكلَّما قَوِيَ الإخلاصُ فيهِ وإخفاؤُهُ وتنزيهُهُ عنِ المحرَّماتِ والمكروهاتِ؛ كَثُرَتْ مضاعفتُهُ. فلا يُسْتَنكرُ أنْ يَصومَ الرَّجلُ يومًا مِن الشَّهرِ فيُضاعَفَ لهُ بثوابِ ثلاثينَ يومًا فيُكْتَبَ لهُ صيامُ الشَّهرِ كلِّهِ. وكذلكَ إذا صامَ يومينِ مِن الشَّهرِ. وأمَّا إذا صامَ منهُ ثلاثةَ أيَّامٍ؛ فهوَ ظاهرٌ؛ لأنَّ الحسنةَ بعشرِ أمثالِها.

وخَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ والنَّسائِيُّ عن أبي ذَرٍّ؛ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَن صامَ مِن كلِّ شهرٍ ثلاثةَ أيَّامٍ؛ كانَ كمَن صامَ الدَّهرَ". فأنْزَلَ اللهُ تَعالى تصديقَ ذلكَ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: ١٦٥]؛ اليومُ بعشرةِ أيَّامٍ (٢).

وفي الصَّحيحينِ (٣): عن عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو؛ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "صُمْ مِن الشَّهرِ ثلاثةَ أيَّامٍ؛ فإنَّ الحسنةَ بعشرِ أمثالِها، وذلكَ مثلُ صيامِ الدَّهرِ".


(١) متّفق عليه. تقدّم تفصيل القول في شرحه وتخريجه (ص ٣٥٣).
(٢) (صحيح لشواهده). رواه: أحمد (٥/ ١٤٥)، وابن ماجه (٧ - الصيام، ٣٩ - صيام ثلاثة أيّام، ١/ ٥٤٥/ ١٧٠٨)، والترمذي (٦ - الصوم، ٥٤ - صوم ثلاثة أيّام، ٣/ ١٣٥/ ٧٦٢)، والبزّار (٩/ ٣٤٥/ ٣٩٠٤)، والنسائي في "السنن الكبرى" (٢٧١٧) و"المجتبى" (٢٢ - الصيام، ٨٢ - الاختلاف على أبي عثمان، ٤/ ٢١٨/ ٢٤٠٨)، وابن عدي (٦/ ٢٤٣١)، والبغوي (١٨٠١)؛ من طرق، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي ذرّ … رفعه. قال الترمذي: "حسن صحيح". وأقرّه البغوي والمنذري. وقال الألباني: "على شرط الشيخين". قلت: لم يخرّجا شيئًا من رواية النهديّ عن أبي ذرّ، وقد تكلّموا فيها، على أنّ للسند علّة أشار إليها النسائي في تبويبه والدارقطني في "العلل" (١١٤١) فقال: "يرويه عاصم عن أبي عثمان عن أبي ذرّ، يرويه أصحاب عاصم عنه كذلك، وخالفهم شيبان [ثقة] فرواه عن عاصم وأدخل بين أبي عثمان وبين أبي ذرّ رجلًا لم يسمّ". قلت: وتابعه عبد الله عند النسائي في "الكبرى" (٢٧١٨) و"المجتبى" (الموضع السابق، ٢٤٠٩). فالرجل المبهم زيادة ثقة يتعيّن الأخذ بها ولا سيّما أنّهم تكلّموا في سماع أبي عثمان من أبي ذرّ.
وللحديث طريق أُخرى عند العقيلي (٣/ ١٥٨) لكنّها واهية بضعيفين.
وله طرق أُخرى عن أبي ذرّ بنحوه وستأتي ألفاظه قريبًا.
ويشهد له ما بعده، فهو به صحيح.
(٣) البخاري (٣٠ - الصوم، ٥٦ - صوم الدهر، ٤/ ٢٢٠/ ١٩٧٦)، ومسلم (١٣ - الصيام، ٣٥ - النهي عن صوم الدهر، ٢/ ٨١٢/ ١١٥٩).

<<  <   >  >>