للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد حَكى ابنُ جَريرٍ وغيرُهُ عن ابن مَسْعودٍ وطائفةٍ مِن السَّلفِ: أن أوَّل المخلوقاتِ الماءُ.

وقد رَوى الجُوزْجانِيُّ بإسنادِهِ عن عَبْدِ اللهِ بن عَمْرٍو؛ أنَّهُ سُئِلَ عن بدءِ الخَلْقِ. فقال: مِن ترابٍ وماءٍ وطينٍ ومِن نارٍ وظلمةٍ. فقيلَ لهُ: فما بدءُ الخلقِ الذي ذَكَرْتَ؟ قال: مِن ماءٍ يَنْبوعٍ.

وقد أخْبَرَ اللهُ في كتابِهِ أن الماءَ كانَ موجودًا قبلَ خلقِ السَّماواتِ والأرضِ، فقال: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ}


= هو الفارسي وليس الأبّار أو أنّه ظنّ أنَّهما واحد، والراجح التفريق، وإليه ذهب الشيخان وأبو حاتم وغيرهم كالدارقطني؛ فإنّه وثّق الفارسيّ في "كناه"، قال الحافظ في "التهذيب" عقبه: وهذا ممّا يؤيّد أنّه غير الفارسيّ". قلت: هذا كلام طويل يحتاج إلى تفصيل:
[١] فأمّا البخاريّ؛ فلم ينصّ على التفريق بين الرجلين، ولا أتى للفظة "الأبّار" في "الكنى" (ص ٧٤) على ذكر، ولو كانا عنده اثنين لترجم لهما ترجمتين منفصلتين في "الكنى" تقطعان الشكّ. وأمّا قوله في "التاريخ" (٤/ ١٢٩) "أراه الفارسيّ" فظن محض حمّال لأوجه، ولعلّه ترجم للأبّار ثمّ ختم بقوله "أراه الفارسي" يعني نفسه! [٢] وأمّا مسلم؛ فقد تابع البخاريّ في "الكنى" حذو القذّة بالقذّة [٣] ولم يصرّح الدارقطني بالتفريق بين الرجلين، وتجهيله صاحب قتادة وتوثيقه الآخر ليس بالدليل الحاسم، فما أكثر ما يذهل أهل الجرح والتعديل ويتردّدون في هذا الباب فيقوّون الرجل تارة ويضعّفونه أخرى. [٤] وإيراد الذهبيّ لترجمة ما في "الميزان" لا تفيد بالضرورة إقراره إيّاها؛ فقد التزم فيه ألّا يخلّ بترجمة أوردها أصحاب الضعفاء حتّى لا تستدرك عليه، ولذلك رأيناه عندما ذكر خلاصة رأيه في المسألة في "الكاشف" يجعلهما رجلًا واحدًا ثقة. [٥]، وكدلك فعل العسقلاني، فترجم لهما ترجمة واحدة في "التقريب" ثمّ قال: "ومنهم من فرّق بين الفارسيّ والأبّار"، ولم يجزم فيهما بقول. [٦] وأمّا أبو حاتم وابنه فكلامهما في "الجرح" (٢/ ٢٨٤، ٤/ ٢١٢، ٩/ ٤٤٧) ظاهر في أنّ الفارسي والأبار رجل واحد وليس العكس. [٧]، وكذلك مال الإمام أحمد والمزّيّ إلى أنّهما رجل واحد. [٨] ومن المستبعد - فيما أرى - أن يجتمع رجلان في مدينة واحدة في عصر واحد وعلى شيخ واحد وكنية واحدة ولا يعرف لكلّ منهما اسم ولا يروي كل منهما إلّا حديثًا واحدًا أو حديثين ثمّ لا يفرّق الرواة بينهما تفريقًا حاسمًا صريحًا! [٩] وعلى فرض أنّهما أثنان؛ فينبغي أن يكون الأبّار ثقة كالفارسيّ ولا فرق؛ فقد قال ابن معين: "أبو ميمونة الأبّار صالح"، وتابعه أبو حاتم وابنه، وصحّح له ابن خزيمة وابن حبّان والحاكم، فهذا أولى من تجهيل الدارقطني، ولا سيّما أنّه لم يأت بحديث منكر. [١٠]، وعلى فرض أنّه ضعيف مجهول، وأنّ السند كذلك، فهو حسن على الأقلّ بشاهده المتقدّم (ص ٤٦) من حديث أبي هريرة نفسه. وقد صحّح هذا الحديث ابن حبّان والحاكم ووافقه الذهبي والمنذري، وقال ابن كثير: "على شرط الصحيحين؛ إلّا أنّ أبا ميمونة من رجال السنن، واسمه سليم، والترمذي يصحّح له"، وقال الهيثمي (٥/ ١٩): "رجال الصحيح خلا أبي ميمونة وهو ثقة"، وقال العسقلاني في "الفتح" (٥/ ٢٩): "إسناده صحيح". وقوّاه شاكر.

<<  <   >  >>