للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وزَعَمَ مُقاتِلٌ أن الماءَ خُلِقَ مِن النُّورِ! وهوَ مردودٌ بحديثِ أبي هُرَيْرَةَ هذا وغيرِهِ.

ولا يُسْتَنكرُ خَلْقُ النَّارِ مِن الماءِ؛ فإنَّ الله بقدرتِهِ جَمَعَ بينَ الماءِ والنَّارِ في الشَّجرِ الأخضرِ، وجَعَلَ ذلكَ مِن أدلَّةِ القدرةِ على البعثِ. وقد ذَكَرَ الطَّبائعيُّونَ أن الماءَ بانحدارِهِ يَصيرُ بخارًا، والبخارُ يَنْقَلِبُ هواءً، والهواءُ يَنْقَلِبُ نارًا (١). واللهُ أعلمُ.

• وقولُهُ - صلى الله عليه وسلم - لأبي هُرَيْرَةَ حينَ سألَهُ عن بناءِ الجنَّةِ فقالَ: "لَبِنَةٌ مِن ذهبٍ، ولَبِنَةٌ مِن فضَّةٍ، وملاطُها المسكُ الأذفرُ، وحصباؤُها اللؤلؤُ والياقوتُ، وتربتُها الزَّعفرانُ".

وقد رُوِيَ أيضًا هذا عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِن حديثِ أبنِ عُمَرَ مرفوعًا (٢)، خَرَّجَهُ الطَّبَرانِيُّ. فهذهِ أربعةُ أشياءَ:

• أحدُها: بناءُ الجنَّةِ: ويُحْتَمَل أن المرادَ بنيانُ قصورِها ودورِها، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ بناءُ حائطِها وسورِها المحيطِ بها، وهوَ أشبهُ.

وقد رُوِيَ مِن وجهٍ آخرَ عن أبي هُرَيْرَةَ مرفوعًا وموقوفًا - وهوَ أشبهُ -: "حائطُ الجنَّةِ لبنةٌ مِن فضَّةٍ ولبنةٌ مِن ذهبٍ، ودرجُها الياقوتُ واللؤلؤُ". [قال]: وكُنَّا نَتَحَدَّثُ أن رَضْراضَ أنهارِها اللؤلؤُ وترابَها الزَّعفرانُ (٣).


(١) نظريّات قديمة مبنية على الحدس والأوهام أسقطها العلم الحديث. نعم؛ من غير المستنكر اليوم أن يتحول الماء بتأثير الصواعق أو الشحنات الكهربائية القويّة إلى شوارد قابلة للاشتعال. وإنّما ذكرت ذلك توثيقًا لكلام ابن رجب رحمة الله عليه، وإلّا؛ فالمعتمد عند أهل السنّة أنّ الحديث الصحيح حجّة قائمة بنفسها لا تحتاج إلى دليل علميّ لتوثيقها.
(٢) (صحيح بشواهده). رواه: ابن أبي شيبة (٣٣٩٤٤)، وابن أبي الدنيا في "الجنّة" (١٢)، وابن الأعرابي في "المعجم"، والطبراني في "الكبير" (١٠/ ٤٠٠ - مجمع)، وابن مردويه (١٠/ ٤٩٦ - بداية ونهاية)، وأبو نعيم في "الجنة" (٩٦ و ١٣٩ و ٢٣٨)؛ من طريق أبي ربيعة عمر بن ربيعة الإيادي، عن الحسن، عن ابن عمر … رفعه. قال البوصيري: "إسناد حسن". وقال الهيثمي: "رواه الطبراني بإسناد حسّن الترمذي لرجاله". قلت: أبو ربيعة لا يعدو أن يكون صالحًا في الشواهد، والحسن عنعن على تدليسه.
لكن يشهد له حديث أبي هريرة الطويل المتقدم (ص ٤٦).
ولهذه القطعة طريق أُخرى عن أبي هريرة عند: ابن طهمان في "مشيخته" (٣٣)، وأحمد (٢/ ٣٦٢)، والبزّار (٣٥٠٩ - كشف)، والطبراني في "الأوسط" (٢٥٥٣)، وأبي نعيم في "الحلية" (٢/ ٢٤٨ و ٢٤٩) وفي "الجنّة" (١٣٧ و ١٣٨)، والبيهقي في "البعث" (٢٥٦ و ٢٥٧)؛ من طريقين إحداهما قويّة، عن العلاء بن زياد العدوي، عن أبي هريرة … رفعه. قال الهيثمي (١٠/ ٣٩٧): "رجاله رجال الصحيح"، وصحّحه العسقلاني.
(٣) (صحيح). يرويه قتادة واختلف عليه فيه على ثلاثة أوجه: روى أولها: معمر في "الجامع" =

<<  <   >  >>