ومن الواضح هنا أنّ الوجه الأوّل هو أرجح الأوجه؛ لأنّ معمرًا ثقة ثبت، فوصله للحديث زيادة معتبرة يتعين المصير إليها. والوجه الثاني يزيده قوّة. وأمّا الرفع؛ فتفرّد به مطر الورّاق وهو ضعيف، فالرفع هنا منكر. ومع ذلك؛ فلهذا المتن حكم الرفع لأمور: أولاها: أنّه لا يقال اجتهادًا. والثاني: أنّه وقع في بعض المصادر "وكنّا نحدّث"، فهذا يرجّح أنّ له حكم الرفع. والثالث: أنّ لأكثره شواهد مرفوعة صحيحة. (١) (صحيح). يرويه سعيد الجريري واختلف عليه فيه على أوجه: روى أوّلها: ابن أبي الدنيا في "الجنّة"، والبزّار (٣٥٠٨ - كشف)، والطبراني في "الأوسط" (٣٧١٣)، وأبو الشيخ، وأبو نعيم، في "الحلية" (٦/ ٢٠٤) و"الجنّة" (١٤٠ و ٢٣٧)، والمخلص في "الفوائد"، والبيهقي في "البعث" (٢١٤)؛ من طريق عديّ بن الفضل، عن الجريريّ، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد … رفعه. قال البزّار: "لا نعلم أحدًا رفعه إلّا ابن الفضل وليس بالحافظ". قلت: قصّر يرحمه الله فإنه متروك. وقال أبو نعيم: "تفرّد به الجريري عن أبي نضرة، فرواه وهيب بن خالد عن الجريري نحوه". قلت: اختلفت الرواية عن وهيب فجاءت مرة بالرفع عند البيهقي في "البعث" (٢٦١) ومرّة بالوقف كما سيأتي. وروى الثاني: البزّار (٣٥٠٧ - كشف) من طريق قويّة عن حمّاد بن سلمة، وأبو نعيم في "الجنة" (٢٣٧) من طريق قويّة عن وهيب بن خالد، كلاهما عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد … وقفه. وهذا قوفي. وروى الثالث: يحيى في "زوائد الزهد" (١٤٥٧) من طريق الخفّاف، أنا أبو مسعود، عن أبي نضرة … وقفه. وهذا لا بأس به من أجل الخفّاف؛ ففي حفظه شيء. ومن البيّن هنا أن الوجه الثاني هو أرجح الأوجه: لتتابع ثقتين عليه خلافًا للأول ولأنّ فيه زيادة ثقة يتعيّن المصير إليها خلافًا للثالث. فالمعروف إذا في هذا المتن وقفه على أبي سعيد ورفعه منكر. ومع ذلك فالمسألة لا تعدو أن تكون اصطلاحية؛ لأن للموقوف هنا حكم الرفع لأنّه لا يقال إلّا بتوقيف، وقد أحسن الهيثمي إذ قال (١٠/ ٤٠٠): "رجال الموقوف رجال الصحيح، وأبو سعيد لا يقول هذا إلا بتوقيف". ثمّ له شواهد أخرى بنحوه مرفوعة ستأتي قريبًا. (٢) البخاري (٩٧ - التوحيد، ٢٤ - وجوه يومئذ ناضرة، ١٣/ ٤٢٣/ ٧٤٤٤)، ومسلم (١ - الإيمان، ٨٠ - رؤية المؤمنين ربهم، ١/ ١٦٣/ ١٨٠).