للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثمَّ يومُ النَّفرِ الثَّاني وهوَ آخرُها.

قالَ اللهُ تَعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ في يَوْمَيْنِ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأخَّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: ٢٠٣]. قالَ كثيرٌ مِن السَّلفِ: يُريدُ أنَّ المتعجِّلَ والمتأخِّرَ يُغْفَرُ لهُ ويَذْهَبُ عنهُ الإثمُ الذي كانَ عليهِ قبلَ حجِّهِ إذا حَجَّ فلم يَرْفُثْ ولمْ يَفْسُقْ ويَرْجِعُ مِن ذنوبِهِ كيومَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ. ولهذا قالَ تَعالى: {لِمَنِ اتَّقى} [البقرة: ٢٠٣]، فتكونُ التَّقوى شرطًا لذهابِ الإثمِ على هذا التَّقديرِ، وتَصيرُ الآيةُ دالَّةً على ما صَرَّحَ بهِ قولُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَن حَجَّ فلمْ يَرْفُثْ ولمْ يَفْسُقْ؛ رَجَعَ مِن ذنوبِهِ كيومَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ" (١).

• وقد أمَرَ اللهُ تَعالى بذكرِهِ في هذهِ الأيَّامِ المعدوداتِ، كما قالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّها أيَّامُ أكلٍ وشربٍ وذكرِ اللهِ تَعالى" (٢).

فذكرُ اللهِ المأْمورُ بهِ في أيَّامِ التَّشريقِ أنواعٌ متعدِّدةٌ:

* منها: ذكرُ اللهِ تَعالى عقيبَ الصَّلواتِ المكتوباتِ بالتَّكبيرِ في أدبارِها. وهوَ مشروعٌ إلى آخرِ أيَّامِ التَّشريقِ عندَ جمهورِ العلماءِ، وقد رُوِيَ عن عُمَرَ وعَلِيٍّ وابنِ عَبَّاسٍ، وفيهِ حديثٌ مرفوعٌ في إسنادِهِ ضعفٌ (٣).

* ومنها: ذكرُهُ بالتَّسميةِ والتَّكبيرِ عندَ ذبحِ النُّسكِ؛ فإنَّ وقتَ ذبحِ الهدايا والأضاحي يَمْتَدُّ إلى آخرِ أيَّامِ التَّشريقِ عندَ جماعةٍ مِن العلماءِ، وهوَ قولُ الشَّافِعِيِّ


(١) متّفق عليه. تقدّم تفصيل القول في تخريجه (ص ١٥٠).
(٢) رواه مسلم. تقدّم تفصيل القول في تخريجه (ص ٦٣٤).
(٣) كأنّه يريد ما رواه: الدارقطني (٢/ ٤٩ - ٥٠)، والبيهقي (٣/ ٣١٥)؛ من حديث عمرو بن شمّر، عن جابر الجعفي، (قال مرّة: عن أبي الطفيل عن علي وعمّار، ومرّة: عن أبي جعفر عن عليّ بن الحسين عن جابر، ومرّة: عن محمّد بن علي عن جابر، ومرّة: عن أبي جعفر وعبد الرحمن بن سابط عن جابر)؛ أنّه - صلى الله عليه وسلم - كان يكبّر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيّام التشريق حين يسلّم من المكتوبات. وعمرو بن شمّر كذّاب خبيث، وجابر الجعفيّ متّهم متروك. والحديث ساقط موضوع.
قال العسقلاني في "الفتح" (٢/ ٤٦٢):"ولم يثبت في شيء من ذلك عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حديث، وأصحّ ما ورد فيه عن الصحابة قول عليّ وابن مسعود: إنّه من صبح يوم عرفة إلى عصر آخر أيّام منى". قلت: وهذا النصّ كما ترى لا يدلّ على اختصاص استحباب التكبير أيّام التشريق بوقت دون وقت، بل هو مستحبّ كلّ وقت في تلك الأيّام، عقيب الفرائض والسنن وعند النوم واليقظة وكلّ حين ....

<<  <   >  >>