للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وروايةٌ عنِ [الإمامِ] أحْمَدَ، وفيهِ حديثٌ مرفوعٌ: "كلُّ أيَّامِ منى ذبحٌ" (١)، وفي إسنادِهِ مقالٌ، وأكثرُ الصَّحابةِ على أنَّ الذَّبحَ يَخْتَصُّ بيومينِ مِن أيَّامِ التَّشريقِ معَ يومِ النَّحرِ، وهوَ المشهورُ عن أحْمَدَ، وهوَ قولُ مالِكٍ وأبي حَنِيفَةَ والأكثرينَ (٢).


(١) (ضعيف). يرويه سليمان بن موسى واختلف عليه فيه على وجوه: روى أوّلها: أحمد (٤/ ٨٢)، والبزّار (٨/ ٣٦٣/ ٣٤٤٣ و ٣٤٤٤)، وابن حبّان (٣٨٥٤)، والطبراني (٢/ ١٣٨/ ١٥٨٣)، وابن عدي (٣/ ١١١٨)، والدارقطني (٤/ ٢٨٤)، وابن حزم في "المحلّى" (٧/ ١٨٨)، والبيهقي (٥/ ٢٣٩، ٩/ ٢٩٥ - ٢٩٦)؛ من طرق ثلاث قويّة، عن سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان، [قال مرّة: عن عبد الرحمن بن أبي حسين، وقال مرّة: عن نافع بن جبير، وأسقطه مرّة]، عن جبير بن مطعم … رفعه. وأقوى الروايات هنا رواية من أسقط الواسطة بين سليمان وجبير وهي منقطعة. وزيادة ابن أبي حسين بينهما زيادة ثقة، ولكنّ ابن أبي حسين مجهول لم يلق جبيرًا، فعاد الأمر إلى الضعف والانقطاع. وزيادة نافع بينهما زيادة منكرة تفرّد بها سويد بن سعيد وهو واه شبه المتروك. وروى الوجه الثاني: الطبراني في "الشاميّين" (١٥٥٦)، والدارقطني (٤/ ٢٨٤)، والبيهقي (٩/ ٢٩٦)؛ من طريق أبي معيد حفص بن غيلان، عنه، (قال مرّة: عن محمّد بن المنكدر، ومرّة: عن عمرو بن دينار)، عن جبير … رفعه. وحفص صدوق مقبول الزيادة، لكنّه تردّد بين ثقتين، كلاهما لم يدرك جبيرًا، فعاد الأمر إلى الانقطاع. وذكر الوجه الثالث ابن عبد البرّ في "التمهيد" (٢٣/ ١٩٧) معلّقًا من طريق إسماعيل بن عيّاش، عن سليمان، عن نافع بن جبير، عن أبيه … رفعه. وهذا قويّ إن صحّت الطريق إلى إسماعيل؛ لأنّ روايته عن الشاميّين جيّدة وهذا منها.
وخلاصة القول هنا: أنّنا إن قلنا بالترجيح، فسعيد بن عبد العزيز مقدّم على حفص وإسماعيل لأنّه ثقة وحفص وإسماعيل صدوقان في أحسن الأحوال، فالوجه الأوّل هو الراجح، والحديث منقطع. وإن قبلنا رواية الثلاثة لأنّهم بين ثقة وصدوق، فالحديث مضطرب.
نعم؛ رواه: ابن عدي في "الكامل" (٦/ ٢٣٩٦)، والبيهقي (٩/ ٢٩٦) في "السنن"؛ من طريق معاوية بن يحيى الصدفي، عن الزهريّ، [عن ابن المسيّب، عن أبي سعيد] عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - … به. لكنّ معاوية هالك، وروايته عن الزهري شبه الموضوعة.
وإلى تضعيف هذا الحديث مال أكثر أهل العلم: فقال البزّار: "حديث ابن أبي حسين هو الصواب، وابن أبي حسين لم يلق جبيرًا". وقال البيهقي: "الصحيح المرسل". وقال ابن القيّم: "منقطع لا يثبت وصله". وقال ابن رجب: "في إسناده مقال". وقال الهيثمي: "رجاله موثّقون". وقال العسقلاني: "في سنده انقطاع، ووصله الدارقطني ورجاله ثقات"، كذا في "الفتح" (١٠/ ٨)، ولكنّه عاد في "التلخيص" (٤/ ١٥٧) فقال: "ليس بمحفوظ"، وهو الأولى بقواعد علم الحديث. والله أعلم.
(٢) فيه نظر! فقد خصّ بعض الصحابة - ولا أقول أكثرهم - الذبح بالنحر ويومين بعده، وعمّه آخرون على النحر وأيّام التشريق الثلاثة.
والذين عمّموا الذبح: معهم عموم قوله تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ}، والنحر من جملة أعمال هذه الأيّام، فمن تأخّر فيه إلى الثالث فلا إثم عليه. ومعهم أيضًا عموم قوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}، وآخر أيّام التشريق داخل في =

<<  <   >  >>