يَقولُ رَبَّنا آتِنا في الدُّنْيا وَما لَهُ في الآخِرَة مِنْ خَلاقٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقولُ رَبَّنا آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنهً وَقِنا عَذابَ النَّارِ} [البقرة: ٢٠٠ - ٢٠١]. وقدِ اسْتَحَبَّ كثيرٌ مِن السَّلفِ الدُّعاءَ بهذا في أيَّامِ التَّشريقِ.
قالَ عِكْرِمَةُ: كانَ يُسْتَحَبُّ أنْ يُقالَ في أيَّامِ التَّشريقِ: رَبَّنا آتِنا في الدُّنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقِنا عذابَ النَّارِ.
وعن عطاءٍ؛ قالَ: يَنْبَغي لكلِّ مَن نَفَرَ أنْ يَقولَ حينَ يَنْفِرُ متوجِّهًا إلى أهلِهِ: رَبَّنا آتِنا في الدُّنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقِنا عذابَ النَّارِ.
خَرَّجَهُما عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ في "تفسيره".
وهذا الدُّعاءُ مِن أجمعِ الأدعيةِ للخيرِ، وكانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُكْثِرُ منهُ، ورُوِيَ أنَّهُ كانَ أكثرَ دعائِهِ، وكانَ - صلى الله عليه وسلم - إذا دَعا بدعاءٍ جَعَلَهُ معَهُ؛ فإنَّهُ يَجْمَعُ خيريِ الدُّنيا والآخرةِ (١).
قالَ الحَسَنُ: الحسنةُ في الدُّنيا العلمُ والعبادةُ وفي الآخرةِ الجنَّةُ.
وقالَ سُفْيانُ: الحسنةُ في الدُّنيا العلمُ والرِّزقُ الطَّيِّبُ.
والدُّعاءُ مِن أفضلِ أنواعِ ذكرِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ. وقد رَوى: زيادٌ الجَصَّاصُ، عن أبي كِنانَةَ القُرَشِيِّ؛ أنَّهُ سَمِعَ أبا موسى الأشْعَرِيَّ يَقولُ في خطبتِهِ يومَ النَّحرِ: بعدَ يومِ النَّحرِ ثلاثةُ أيَّامٍ التي ذَكَرَ اللهُ الأيَّامُ المعدوداتُ لا يُرَدُّ فيهنَّ الدُّعاءُ، فارْفَعوا رغبتكُم إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ.
• وفي الأمرِ بالذِّكرِ عندَ انقضاءِ النُّسكِ معنًى، وهوَ أنَّ سائرَ العباداتِ تَنْقَضي ويُفْرَغُ منها وذكرُ اللهِ باقٍ لا يَنْقَضي ولا يُفْرَغُ منه بل هوَ مستمرٌّ للمؤمنينَ في الدُّنيا وفي الآخرةِ.
وقد أمَرَ اللهُ تَعالى بذكرِهِ عندَ انقضاءِ الصَّلاةِ: قالَ تَعالى: {فَإذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُروا اللهَ قِيامًا وَقُعودًا وَعَلى جُنوبِكُمْ} [النساء: ١٠٣]. وقالَ في صلاةِ الجمعةِ: {فَإذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِروا في الأرْضِ وَابْتَغوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَأذْكُروا اللهَ كَثيرًا}
(١) رواه: البخاري (٦٥ - التفسير، ٢ - البقرة، ٣٦ - ومنهم من يقول ربّنا آتنا، ٨/ ١٨٧/ ٤٥٢٢)، ومسلم (٤٨ - الذكر، ٩ - الدعاء باللهم آتنا، ٤/ ٢٠٧٠/ ٢٦٩٠)؛ من حديث أنس.