[الجمعة:١٠]. وقالَ: {فَإذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ. وَإلى رَبّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: ٧ - ٨]، رُوِيَ عن ابن مَسْعودٍ؛ [قالَ]: فإذا فَرَغْتَ مِن الفرائضِ فَانْصَبْ. وعنهُ في قولِهِ [تَعالى]: {وَإلى رَبِّكَ فَأرْغَبْ}؛ قالَ: في المسألةِ وأنتَ جالسٌ. وقالَ الحَسَنُ: أمَرَهُ إذا فَرَغَ مِن غزوِهِ أنْ يَجْتَهِدَ في الدُّعاءِ والعبادةِ.
والأعمالُ كلُّها يُفْرَغُ منها، والذِّكرُ لا فراغَ لهُ ولا انقضاءَ، والأعمالُ تَنْقَطِعُ بانقطاعِ الدُّنيا ولا يَبْقى منها شيءٌ في الآخرةِ، والذِّكرُ لا يَنْقَطِعُ. المؤمنُ يَعيشُ على الذِّكرِ، ويَموتُ عليهِ، وعليهِ يُبْعَثُ.
أحَسِبْتُمُ أن اللَيالِيَ غَيَّرَتْ … عَهْدَ الهَوى لا كانَ مَنْ يَتَغَيَّرُ
يَفْنى الزَّمانُ وَلَيْسَ يَفْنى ذِكْرُكُمْ … وَعَلى مَحَبَّتِكُمْ أموتُ وَأُحْشَرُ
قالَ ذو النُّونِ: ما طابَتِ الدُّنيا إلَّا بذكرِهِ، ولا الآخرةُ إلَّا بعفوِهِ، ولا الجنَّةُ إلَّا برؤيتِهِ.
بِذِكْرِ اللهِ تَرْتاحُ القُلوبُ … وَدُنْيانا بذِكْراهُ تَطيبُ
إذا ذُكِرَ المَحْبوبُ عِنْدَ حَبيبِهِ … تَرَنَّحَ نَشْوانٌ وَحَنَّ طَروبُ (١)
فأيَّامُ التَّشريقِ يَجْتَمعُ فيها للمؤمنينَ نعيمُ أبدانِهِم بالأكلِ والشُّربِ ونعيمُ قلوبِهِم بالذِّكرِ والشُّكرِ، وبذلكَ تَتِمُّ النِّعمةُ، وكلَّما أحْدَثوا شكرًا على النِّعمةِ؛ كانَ شكرُهُم نعمةً أُخرى، فيَحْتاجُ إلى شكرٍ آخرَ، ولا يَنْتَهي الشُّكرُ أبدًا.
إذا كانَ شُكْري نِعمَةَ اللهِ نِعْمَةً … عَلَيَّ لَهُ في مِثْلِها يَجِبُ الشُّكْرُ
فَكَيْفَ بُلوغُ الشُّكْرِ إلَّا بِفَضْلِهِ … وَإنْ طالَتِ الأيَّامُ وَاتَّصَلَ العُمْرُ
• وفي قولِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - "إنَّها أيَّامُ أكلٍ وشربٍ وذكرِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ" إشارةٌ إلى أن الأكلَ في أيَّامِ الأعيادِ والشُّربَ إنَّما يُسْتَعانُ بهِ على ذكرِ اللهِ وطاعتِهِ، وذلكَ مِن تمامِ شكرِ النِّعمةِ أنْ يُسْتَعانَ بها على الطَّاعاتِ.
وقد أمَرَ اللهُ في كتابِهِ بالأكلِ مِن الطَّيِّباتِ والشُّكرِ لهُ، فمَنِ اسْتَعانَ بنعمِ اللهِ على
(١) هذا بيت مفرد، لا يتبع ما قبله، فالأوّل من البحر الوافر وهذا من الطويل.