للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معاصيهِ؛ فقد كَفَرَ نعمةَ اللهِ وبَدَّلَها كفرًا، وهوَ جديرٌ أنْ يُسْلَبَها، كما قيلَ:

إذا كُنْتَ في نِعْمَةٍ فَارْعَها … فَإنَّ المَعاصي تُزيلُ النِّعَمْ

وَداوِمْ عَلَيْها بِشُكْرِ الإلهِ … فَشُكْرُ الإلهِ يُزيلُ النِّقَمْ

وخصوصًا نعمةَ الأكلِ مِن لحومِ بهيمةِ الأنعامِ، كما في أيَّامِ التَّشريقِ؛ فإنَّ هذهِ البهائمَ مطيعةٌ للهِ لا تَعْصيهِ، وهيَ مسبِّحةٌ لهُ قانتةٌ، كما قالَ تَعالى: {وَإنْ مِنْ شَيْءٍ إلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: ٤٤]، وإنَّها تَسْجُدُ لهُ، كما أخْبَرَ اللهُ بذلكَ في سورةِ النَّحلِ [٤٩] وسورةِ الحجِّ [١٨]. وربَّما كانَتْ أكثرَ ذكرًا للهِ مِن بعضِ بني آدَمَ. وفي "المسند" مرفوعًا: "ربَّ بهيمةٍ خيرٌ مِن راكبِها وأكثرُ للهِ منهُ ذكرًا" (١). وقد أخْبَرَ اللهُ في كتابِهِ أن كثيرًا مِن الجنِّ والإنسِ كالأنعامِ بل هم أضلُّ سبيلًا.

فأباحَ اللهُ تَعالى [ذبحَ] هذهِ البهائمِ المطيعةِ الذَّاكرةِ لهُ لعبادِهِ المؤمنينَ حتَّى تَتَقَوَّى بها أبدانُهُم وتَكْمُلَ لذَّاتُهُم في أكلِهِمُ اللحومَ؛ فإنَّهـ[ــــا]، مِن أجلِّ الأغذيةِ وألذِّها، معَ أن الأبدانَ تَقومُ بغيرِ اللحمِ مِن النَّباتاتِ وغيرِها، لكنْ لا تَكْمُلُ القوَّةُ والعقلُ واللذَّةُ إلَّا باللحمِ، فأباحَ للمؤمنينَ قتلَ هذهِ البهائمِ والأكلَ مِن لحومِها، لِيُكْمِلَ بذلكَ قوَّةَ عبادِهِ وعقولَهُم، فيَكونَ ذلكَ عونًا لهُم على علومٍ نافعةٍ وأعمالٍ صالحةٍ يَمْتازُ بها بنو آدَمَ على البهائمِ وعلى ذكرِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ وهوَ أكبرُ مِن ذكرِ البهائمِ، فلا يَليقُ بالمؤمنِ معَ هذا إلَّا مقابلةُ هذهِ النِّعمِ بالشُّكرِ عليها والاستعانةِ بها على طاعةِ اللهِ تَعالى وذكرِهِ حيثُ فَضَّلَ ابنَ آدَمَ على كثيرٍ مِن المخلوقاتِ وسَخَّرَ لهُ هذهِ الحيواناتِ. قالَ تَعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الحج: ٣٦].


(١) (ضعيف). رواه: أحمد (٣/ ٤٣٩ و ٤٤٠ و ٤٤١) من طريق حسن عن ابن لهيعة، والطبراني (٢٠/ ١٩٣/ ٤٣١) من طريق رشدين؛ كلاهما عن زبّان بن فائد (وقال ابن لهيعة مرّة: يزيد بن أبي حبيب)، عن سهل بن معاذ بن أنس، عن أبيه … رفعه.
قال الهيثمي (١٠/ ١٤٣): "إسناده حسن". وقال مرّة (٨/ ١١٠): "رجال الصحيح غير سهل بن معاذ بن أنس وثّقه ابن حبّان وفيه ضعف". قلت: سهل لا بأس بحديثه، وإنّما العلّة في رواية زبّان عنه، وهذا منها، وزبّان ضعيف صاحب منكرات، وذكر يزيد بن أبي حبيب في هذا السند ليس بالمتابعة وإنّما هو من تخليط ابن لهيعة. ثمّ الطريقان إلى زبّان ضعيفتان؛ ابن لهيعة ورشدين! فأنّى يقال في مثل هذا: إسناد حسن؟!

<<  <   >  >>