للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأمَّا مَن قَتَلَ هذهِ البهائمَ المطيعةَ الذَّاكرةَ للهِ تَعالى، ثمَّ اسْتَعانَ بأكلِ لحومِها على معاصي اللهِ تَعالى ونَسِيَ ذكرَ اللهِ؛ فقد قَلَبَ الأمرَ وكَفَرَ النِّعمةَ، فلا كانَ مَن كانَتِ البهائمُ خيرًا منهُ وأطوعَ.

نَهارُكَ يا مَغْرورُ سَهْوٌ وَغَفْلَةٌ … وَلَيْلُكَ نَوْمٌ وَالرَّدى لَكَ لازِمُ

وَتَتْعَبُ فيما سَوْفَ تَكْرَهُ غِبَّهُ … كَذلِكَ في الدُّنْيا تَعيشُ البَهائِمُ

• وإنَّما نُهِيَ عن صيامِ أيَّامِ التَّشريقِ؛ لأنَّها أعيادٌ للمسلمينَ معَ يومِ النَّحرِ، فلا تُصامُ بمنى ولا غيرِها عندَ جمهورِ العلماءِ، خلافًا لعطاء في قولِهِ: إنَّ النَّهيَ مختصٌّ بأهلِ منى.

وإنَّما نُهِيَ عن التَّطوُّعِ بصيامِها سواءٌ وافَقَ عادةً أو لمْ يوافِقْ. فأمَّا صيامُها عن قضاءِ فرضٍ أو نَذْرٍ أو صيامُها بمنى للمتمتِّعِ إذا لم يَجِدِ الهديَ؛ ففيهِ اختلافٌ مشهورٌ بينَ العلماءَ، ولا فرَقَ بينَ يومٍ منها ويومٍ عندَ الأكثرينَ؛ إلَّا عندَ مالكٍ؛ فإنَّهُ قالَ في اليومِ الثَّالثِ منها: يَجوزُ صيامُهُ عن نذرٍ خاصَّةً (١).

وفي النَّهيِ عن صيامِ هذهِ الأيَّامِ والأمرِ بالأكلِ فيها والشُربِ سرٌّ حسنٌ، وهوَ أن الله تَعالى لمَّا عَلِمَ ما يُلاقي الوافدونَ إلى بيتِهِ مِن مشاقِّ السَّفرِ وتعبِ الإحرامِ وجهادِ النُّفوسِ على قضاءِ المناسكِ؛ شَرَعَ لهُمُ الاستراحةَ عقيبَ ذلكَ بالإقامةِ بمنى يومَ النَّحرِ وثلاثةَ أيَّامِ التَّشريقِ بعدَهُ، وأمَرَهُم بالأكلِ فيها مِن لحومِ نسكِهِم، فهُم في ضيافةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ فيها؛ لطفًا مِن اللهِ بهِم ورأْفةً ورحمةً. وشارَكَهُم أيضًا أهلُ الأمصارِ في ذلكَ؛ لأنَّ أهلَ الأمصارِ شارَكوهُم في النَّصبِ للهِ (٢) والاجتهادِ في عشرِ ذي الحجَّةِ بالصَّومِ والذِّكرِ والاجتهادِ في العباداتِ، وشارَكوهُم في حصولِ المغفرةِ وفي التَّقرُّبِ إلى اللهِ تَعالى بإراقةِ دماءِ الأضاحي، فشارَكوهُم في أعيادِهِم، واشْتَرَكَ الجميعُ في الرَّاحةِ في أيَّامِ الأعيادِ بالأكلِ والشُّربِ كما اشْتَرَكوا جميعًا في أيَّامِ العشرِ في الاجتهادِ في الطَّاعةِ والنَّصبِ، وصارَ المسلمونَ كلُّهُم في ضيافةِ اللهِ تَعالى في هذهِ الأيَّامِ، يَأْكُلونَ مِن رزقِهِ


(١) وقد تقدّم ما فيه (ص ٦٣٨).
(٢) في خ: "شاركوهم في التعب لله"، وفي م ون: "شاركوهم في حصول المغفرة والنصب لله".

<<  <   >  >>