للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قالَ اللهُ تَعالى: {وَاللهُ يَدْعو إلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدي مَنْ يَشاءُ إلى صِراطٍ مُسْتَقيمٍ} [يونس: ٢٥].

الجنَّةُ ضيافةُ اللهِ أعَدَّها لعباده المؤمنينَ نزلًا، فيها ما لا عينٌ رَأتْ ولا أذنٌ سَمِعَتْ ولا خَطَرَ على قلبِ بشرٍ. وبُعِثَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعو إليها بالإيمانِ والإسلامِ والإحسانِ، فمَن أجابَهُ؛ دَخَلَ الجنَّةَ وأكَلَ مِن تلكَ الضِّيافةِ، ومَن لمْ يُجِبْ؛ حُرِمَ.

خَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ عن جابِرٍ؛ قالَ: خَرَجَ علينا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يومًا، فقالَ: "رَأيْتُ في المنامِ كأنَّ جِبْريلَ عندَ رأْسي وميكائيلَ عندَ رجليَّ. فقالَ أحدُهُما لصاحبِهِ: اضْرِبْ لهُ مثلًا. فقالَ: اسْمَعْ سَمِعَتْ أُذُنُكَ واعْقِلْ عَقَلَ قلبُكَ. إنَّما مثلُكَ ومثلُ أُمَّتِكَ كمثلِ ملكٍ اتَّخَذَ دارًا، ثمَّ بَنى فيها بناءً، وجَعَلَ فيها مائدةً، ثمَّ بَعَثَ رسولًا يَدْعو النَّاسَ إلى طعامِهِ، فمنهُم مَن أجابَ الرَّسولَ، ومنهُم مَن تَرَكَهُ. فاللهُ هوَ الملكُ، والدَّارُ هيَ الإسلامُ، والبيتُ الجنَّةُ، وأنتَ يا مُحَمَّدُ رسولٌ، مَن أجابَكَ دَخَلَ الإسلامَ، ومَن دَخَلَ الإسلامَ دَخَلَ الجنَّةَ، ومَن دَخَلَ الجنَّةَ أكَلَ ممَّا فيها" (١).


(١) (حسن). رواه: ابن سعد في "الطبقات" (١/ ٨٢)، والترمذي (٤٥ - الأمثال، ١ - مثل الله لعباده، ٥/ ١٤٥/ ٢٨٦٠)، والطبري (١٧٦٢٤)، والحاكم (٢/ ٣٣٨ و ٣٩٣)، وابن مردويه (٣/ ٥٤٦ - درّ)، والبيهقي في "الدلائل" (١/ ٣٧٠)، والعسقلاني في "التغليق" (٥/ ٣٢٠)؛ من طرق ثلاث، عن الليث بن سعد، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، [قال مرّة: عن محمّد بن عليّ بن الحسين، ومرّة: عن عطاء، وأسقطه مرّة]، عن جابر … رفعه في سياق طويل. قال الحاكم: "صحيح"، ووافقه الذهبي. قلت: هو كذلك لولا اختلافهم على الليث فيه، فرواه ثبتان عنه فقالا: عن سعيد عن جابر، ورواه عبد الله بن صالح كاتبه فزاد بين سعد وجابر مرّة محمّد بن عليّ ومرّة عطاء، وعبد الله بن صالح صالح في الشواهد، وقد خالف الثبتين، فزيادته بين الشذوذ والنكارة، ولذلك قال الترمذي: "مرسل، سعيد بن أبي هلال لم يدرك جابرًا".
ورواه: الدارمي (١/ ٧)، والطبري (١٧٦٢١)، والطبراني (٥/ ٦٥/ ٤٥٩٧)، وأبو نعيم في "الجنّة" (١)؛ من طريقين، عن أيّوب، عن أبي قلابة. ولكنّهم اختلفوا: فقال معمر عند الطبري: عن أيّوب عن أبي قلابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا. وقال عبّاد بن منصور عند البقيّة: عن أيّوب عن أبي قلابة عن عطيّة عن ربيعة الجرشيّ عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. وعبّاد ليّن خالف معمرًا الثبت، فوصله بين الشذوذ والنكارة، والمحفوظ الإرسال.
فهاهنا طريق منقطعة وأُخرى مرسلة، واجتماعهما يرجّح أنّ لهذا التفصيل أصلا عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولا سيّما أنّ أصل الحديث عند البخاري كما سيأتيك بعده، وقد قوّاه الحاكم والذهبي والهيثمي والعسقلاني، واكتفى الألباني في "ضعيف الترمذي" بقوله: "ضعيف الإسناد" على طريقته فيما لم يتفرّغ لدراسته من الأحاديث، ولعلّه لو تفرّغ لدراسته كان له موقف آخر. والله أعلم.

<<  <   >  >>