للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كلُّهُم فيها؛ لكَفَتْهُم.

رَأى بعضُ المتقدِّمينَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - في منامِهِ. فقالَ لهُ: أوْصِني. فقالَ لهُ: مَنِ اسْتَوى يوماهُ فهوَ مغبونٌ، ومَن كانَ يومُهُ شرًّا مِن أمسِهِ فهوَ ملعونٌ، ومَن لمْ يَتَفَقَّدِ الزِّيادةَ في عملِهِ فهوَ في نقصانٍ، ومَن كانَ في نقصانٍ فالموتُ خيرٌ لهُ (١).

قالَ بعضُهُم: كانَ الصِّدِّيقونَ يَسْتَحْيونَ مِن اللهِ أنْ يَكونوا اليومَ على مثلِ حالِهِمِ بالأمسِ. يُشيرُ إلى أنَّهُم كانوا لا يَرْضَوْنَ كلَّ يومٍ إلَّا بالزِّيادةِ مِن عملِ الخيرِ، ويَسْتَحْيون مِن فقدِ ذلكَ ويَعُدُّونَهُ خسرانًا (٢)، [كما قيلَ]:

ألَيْسَ مِنَ الخُسْرانِ أنَّ لَيالِيًا … تَمُرُّ بِلا نَفْعٍ وَتُحْسَبُ مِنْ عُمْري

• فالمؤمنُ القائمُ بشروطِ الإيمانِ لا يَزْدادُ بطولِ عمرِهِ إلَّا خيرًا، ومَن كانَ كذلكَ فالحياةُ خيرٌ لهُ مِن الموتِ.

وفي دعاءِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "اللهمَّ! اجْعَلِ الحياةَ زيادةً لي في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً لي مِن كلِّ شرٍّ". خَرَّجَهُ مسلمٌ (٣).

وفي "التِّرْمِذِيِّ" عنهُ - صلى الله عليه وسلم -؛ أنَّهُ سُئِلَ: أيُّ النَّاسِ خيرٌ؟ قالَ: "مَن طالَ عمرُهُ وحَسُنَ عملُهُ". قيلَ: فأيُّ النَّاسِ شرٌّ؟ قالَ: "مَن طالَ عمرُهُ وساءَ عملُهُ" (٤).

وفي "المسند" وغيرِهِ: أن نفرًا ثلاثةً قَدِموا على النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فأسْلَموا، فكانوا عندَ


(١) هذا المتقدّم هو واحد من مشايخ القوم على الأغلب! وكلامه هذا منكر جدًّا من منكرات كلامهم! ثمّ إنّه تجرّأ ونسبه للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - وهمًا أو بهتانًا! وإذا كان العبد على عمل صالح، ثمّ داوم عليه اتّباعًا لسنّة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في المداومة على الصالحات، ثمّ لم يزد على ذلك في اليوم التالي اتّباعًا لسنّته - صلى الله عليه وسلم - في عدم الغلوّ ومشادّة الدين وخشية الانقطاع؛ فأيّ غبن في هذا؟! هذا الغبن المزعوم كان حال الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم! وإذا أقبل العبد على ربّه مدّة واسترسل في النوافل، ثمّ مرّت به أيّام أدبر فيها قلبه فارتدّ إلى الفرائض ولم يقصّر فيها؛ فهل يستحقّ اللعنة؟! أما قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "ولكن ساعة وساعة"؟! وقوله: "ومن كان في نقصان فالموت خير له" معارضة صريحة لنهيه - صلى الله عليه وسلم - المسيء عن تمنّي الموت لعلّه يستعتب؛ أي: يتوب ويستغفر! فهذه عيّنة من عبارات القوم ووصاياهم، يظنّها المرء للوهلة الأولى من أحسن الكلام وأطيبه، فإذا تفكّر فيها ووزنها بميزان العلم الذي لا يخيب حامله؛ ظهر له ما فيها من الهجنة والنكارة.
(٢) وألحق هذا بالذي قبله. والله المستعان.
(٣) (٤٨ - الذكر والدعاء، ١٨ - التعوّذ من شرّ ما عمل، ٤/ ٢٠٨٧/ ٢٧٢٠) من حديث أبي هريرة.
(٤) (صحيح بشواهده). تقدّم تفصيل القول في هذا (ص ٢٢٢).

<<  <   >  >>