للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طَلْحَةَ. فبَعَثَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بعثًا، فخَرَجَ فيهِ أحدُهُم فاسْتُشْهِدَ. ثمَّ بَعَثَ بعثًا آخرَ، فخَرَجَ آخرُ منهُم فاسْتُشْهِدَ. ثمَّ ماتَ الثَّالثُ على فراشِهِ. قالَ طَلْحَةُ: فرَأيْتُهُم في الجنَّةِ، ورَأيْتُ الميِّتَ على فراشِهِ أمامَهُم، ورَأيْتُ الذي اسْتُشْهِدَ آخرًا يَليهِ، ورَأيْتُ الذي اسْتُشْهِدَ أوَّلَهُم آخرَهُم. فأتَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فذَكَرْتُ ذلكَ لهُ، فقالَ: "وما أنْكَرْتَ مِن ذلكَ؟ ليس أفضلَ عندَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ مِن مؤمنٍ يُعَمَّرُ في الإسلامِ لتسبيحِهِ وتكبيرِهِ وتهليلِهِ" (١). وفي روايةٍ؛ قالَ: "ألَيْسَ قد مَكَثَ هذا بعدَهُ سنةً؟ ". قالوا: بلى. قالَ: "وأدْرَكَ رمضانَ فصامَهُ؟ ". قالوا: بلى. قالَ: "وصَلَّى كذا وكذا سجدةً في السَّنةِ؟ ". قالوا: بلى. قالَ: "فلَما بينَهُما أبعدُ ممَّا بينَ السَّماءِ والأرضِ" (٢).

قيلَ لبعضِ السَّلفِ: طابَ الموتُ. قالَ: لا تَفْعَلْ، لساعةٌ تَعيشُ فيها تَسْتَغْفِرُ الله عَزَّ وجَلَّ خيرٌ لكَ مِن موتِ الدَّهرِ.

وقيلَ لشيخٍ كبيرٍ منهُم: تُحِبُّ الموتَ؟ قالَ: لا. قيلَ: ولمَ؟ قالَ: ذَهَبَ الشَّبابُ وشرُّهُ، وجاءَ الكبرُ وخيرُهُ، فإذا قُمْتُ قُلْتُ: بسمِ اللهِ، وإذا قَعَدْتُ قُلْتُ: الحمدُ للهِ، فأنا أُحِبُّ أنْ يَبْقى لي هذا.

وقيلَ لشيخٍ آخرَ منهُم: ما بَقِيَ ممَّا تُحِبُّ لهُ الحياةَ؟ قالَ: البكاءُ على الذُّنوبِ.

ولهذا كانَ السَّلفُ الصَّالحونَ يَتَأسَّفونَ عندَ موتِهِم على انقطاعِ أعمالِهِم عنهُم بالموتِ.

وبَكى مُعاذٌ عندَ موتِهِ وقالَ: إنَّما أبْكي على ظَمَأ الهواجرِ وقيامِ ليلِ الشِّتاءِ ومزاحمةِ العلماءِ بالرُّكبِ عندَ حلقِ الذِّكرِ.

وبَكى عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الأسْوَدِ عندَ موتِهِ وقالَ: وا أسفاهُ على الصَّومِ والصَّلاةِ! ولم يَزَلْ يَتْلو القرآنَ حتَّى ماتَ.

وبَكى يَزيدُ الرِّقاشِيُّ عندَ موتِهِ وقالَ: أبْكي على ما يَفوتُني مِن قيامِ الليلِ وصيامِ النَّهارِ. ثمَّ بَكى وقالَ: مَن يُصَلِّي لكَ يا يَزيدُ بعدَكَ؟ ومَن يَصومُ؟ ومَن يَتَقَرَّبُ لكَ


(١) (صحيح). تقدّم تفصيل القول في هذا (ص ٣٤٩).
(٢) (صحيح). تقدّم تفصيل القول في هذا (ص ٣٤٩).

<<  <   >  >>