للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي روايةِ عَوْفٍ (١): "فإنَّ الله فاتحٌ عليكُم فارسَ والرُّومَ".

وفي المعنى أحاديثُ أُخرُ.

وفي "التِّرْمِذِيِّ": أنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لكلِّ أُمَّةٍ فتنةٌ، وإنَّ فتنةَ أُمَّتي المالُ" (٢).

• فقولُهُ - صلى الله عليه وسلم - في حديثِ أبي سَعيدٍ: "إنَّ أخوفَ ما أخافُ عليكُم ما يُخْرِجُ اللهُ لكُم مِن بركاتِ الأرضِ"، ثمَّ فسَّرَهُ بزهرةِ الدُّنيا، ومرادُهُ: ما يُفْتَحُ على أُمَّتِهِ منها مِن ملكِ فارِسَ والرُّومِ وغيرِهِم مِن الكفَّارِ الذينَ وَرِثَتْ هذهِ الأُمَّةُ ديارَهُم وأموالَهُم وأراضيَهُم التي تَخْرُجُ منها زروعُهُم وثمارُهُم وأنهارُهُم ومعادنُهُم، وغيرُ ذلكَ ممَّا يَخْرُجُ مِن بركاتِ الأرضِ. وهذا مِن أعظمِ المعجزاتِ، وهوَ إخبارُهُ - صلى الله عليه وسلم - بظهورِ أُمَّتِهِ على كنوزِ فارسَ والرُّومِ وأموالِهِم وديارِهِم، ووَقَعَ [على] ما أخْبَرَ بهِ.

ولكنَّهُ لمَّا سَمَّى ذلكَ بركاتِ الأرضِ، وأخْبَرَ أنَّهُ أخوفُ ما يَخافُـ[ـهُ] عليهِم؛ أشْكَلَ ذلكَ على بعضِ مَن سَمِعَهُ، حيثُ سَمَّاهُ بركةً ثمَّ خافَ منهُ أشدَّ الخوفِ؛ فإنَّ البركةَ إنَّما هيَ خيرٌ ورحمةٌ.

وقد سَمَّى اللهُ تَعالى المالَ خيرًا في مواضعَ كثيرةٍ مِن القرآنِ: فقالَ: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: ٨]. وقالَ: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: ١٨٠]. وقالَ عن سُلَيْمانَ: {إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي} [ص:


(١) (صحيح لشواهده). قطعة من حديث عوف بن مالك المتقدّم في الحاشية السابقة. فلها حكمه. ثمّ لها شواهد كثيرة من مخرّجات الشيخين وغيرهما. فهي صحيحة بشواهدها.
(٢) (صحيح). رواه: ابن سعد (٧/ ٤١٤) معلّقًا، وأحمد (٤/ ١٦٠)، والبخاري في "التاريخ" (٧/ ٢٢٢)، والترمذي (٣٧ - الزهد، ٢٦ - فتنة هذه الأُمّة المال، ٤/ ٥٦٩/ ٢٣٣٦)، وابن أبي عاصم في "الآحاد" (٢٥١٦)، والنسائي في "الكبرى" (١١١٢٩ - تحفة)، والطحاوي في "المشكل"، وابن قانع في "المعجم" (٢/ ٣٧٤/ ٩٢٠)، وابن حبّان (٣٢٢٣)، والطبراني في "الكبير" (١٩/ ١٧٩/ ٤٠٤) و"الأوسط" (٣٣١٩) و"الشاميين" (٢٠٢٧)، والحاكم (٤/ ٣١٨)، والقضاعي في "المسند" (١٠٢٢ و ١٠٢٣)، والبيهقي في "الشعب" (١٠٣٠٩)، والمزّي في "التهذيب" (٢٤/ ١٨٧ و ١٨٨ و ١٩٨)؛ من طرق، عن معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن كعب بن عياض … رفعه.
قال الترمذي: "حسن صحيح"، وأقرّه المنذري. وقال الحاكم: "صحيح"، وأقرّه المنذري والذهبي.
وصحّحه أيضًا ابن حبّان وابن عبدالبرّ والألباني. ومعاوية بن صالح صدوق قويّ الحديث. ثمّ له شاهدان من حديث عبادة بن الصامت وعبد الله بن أبي أوفى يصحّ بهما.

<<  <   >  >>