للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣٢].

• فلمَّا سَألَهُ السَّائلُ: هل يَأْتي الخيرُ بالشَّرِّ؟ صَمَتَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حتَّى ظَنُّوا أنَّهُ أُوحِيَ إليهِ. والظَّاهرُ أن الأمرَ كانَ كذلكَ، ويَدُلُّ عليهِ أنَّهُ وَرَدَ في روايةٍ لمُسْلِمٍ (١) في هذا الحديثِ: "فأفاقَ يَمْسَحُ عنهُ الرُّحَضاءَ"، وهوَ العرقُ، وكانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذا أُوحِيَ إليهِ يَتَحَدَّرُ منهُ مثلُ الجُمانِ مِن العرقِ مِن شدَّةِ الوحيِ وثقلِهِ عليهِ (٢). وفي هذا دليلٌ على أنَّهُ كانَ - صلى الله عليه وسلم - إذا سُئِلَ عن شيءٍ لمْ يَكُنْ أُوحِيَ إليهِ فيهِ شيءٌ؛ انْتَظَرَ الوحيَ فيهِ، ولمْ يَتكَلَّمْ فيهِ بشيءٍ حتَّى يُوحى إليهِ فيهِ.

• فلمَّا نَزَلَ عليهِ جوابُ ما سُئِلَ عنهُ؛ قالَ: "أينَ السَّائلُ؟ ". قالَ: ها أنا. فقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الخيرَ لا يَأْتي إلَّا بالخيرِ". وفي روايةٍ لمسلمٍ (٣): فقالَ: "أوَ خيرٌ هوَ؟ ". وفي ذلكَ دليلٌ على أن المالَ ليسَ بخيرٍ على الإطلاقِ، بل منهُ خيرٌ ومنهُ شرٌّ.

ثمَّ ضَرَبَ مثلَ المالِ ومثلَ مَن يَأْخُذُهُ بحقِّهِ ويَصْرِفُهُ في حقِّهِ ومَن يَأْخُذُهُ مِن غيرِ حقِّهِ ويَصْرِفُهُ في غيرِ حقِّهِ. فالمالُ في حقِّ الأوَّلِ خيرٌ، وفي حقِّ الثَّاني شرٌّ. فتَبَيَّنَ بهذا أن المالَ ليسَ بخيرٍ مطلقٍ، بل هوَ خيرٌ مقيَّدٌ: فإنِ اسْتَعانَ بهِ المؤمنُ على ما يَنْفَعُهُ في آخرتِهِ؛ كانَ خيرًا لهُ، وإلَّا؛ كانَ شرًّا لهُ.

• فأمَّا المالُ؛ فقالَ: إنَّهُ "خضرةٌ حلوة"، وقد وُصِفَ المالُ والدُّنيا بهذا الوصفِ في أحاديثَ كثيرةٍ:

ففي الصَّحيحينِ (٤): عن حَكيمِ بن حِزامٍ؛ أنَّهُ سَألَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فأعْطاهُ، ثمَّ سَألَهُ فأعْطاهُ، ثمَّ سَألَهُ فأعْطاهُ، [ثمَّ] سَألَهُ فقالَ لهُ - صلى الله عليه وسلم -: "يا حَكيمُ! إنَّ هذا المالَ خضرةٌ حلوةٌ، فمَن أخَذَهُ بسخاوةِ نفسٍ؛ بورِكَ لهُ فيهِ، ومَن أخَذَهُ بإشرافِ نفسٍ؛ لمْ يُبارَكْ لهُ


(١) (١٢ - الزكاة، ٤١ - تخوّف ما يخرج من زهرة الدنيا، ٢/ ٧٢٨/ ١٠٥٢).
(٢) رواه: البخاري (١ - بدء الوحي، ٢ - باب، ١/ ١٨/ ٢)، ومسلم (٤٣ - الفضائل، ٢٣ - عرقه - صلى الله عليه وسلم -، ٤/ ١٨١٦/ ٢٣٣٣)؛ من حديث عائشة.
(٣) (١٢ - الزكاة، ٤١ - تخوّف ما يخرج من زهرة الدنيا، ٢/ ٧٢٧/ ١٠٥٢).
(٤) البخاري (٢٤ - الزكاة، ٥٠ - الاستعفاف عن المسألة، ٣/ ٣٣٥/ ١٤٧٢)، ومسلم (١٢ - الزكاة، ٣٢ - اليد العليا خير من السفلى، ٢/ ٧١٧/ ١٠٣٥).

<<  <   >  >>