للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قالَ أبو العاليةِ (١): قَرَأْتُ في بعضِ الكتبِ: يا معشرَ الرَّبَّانيِّينَ مِن أُمَّةِ مُحَمَّدٍ! انْتَدِبوا لدارٍ أرضُها زبرجدٌ أخضرُ، تَجْري عليها أنهارُ الجنَّةِ، فيها الدُّرُّ والياقوتُ واللؤلؤُ، وسورُها زبرجدٌ أخضرُ، متدلِّيًا عليها أشجارُ الجنَّةِ بثمارِها.

* الرَّابعُ: ترابُ الجنَّةِ، وأنَّهُ الزَّعفرانُ. وقد سَبَقَ في روايةٍ أُخرى: الزَّعفرانُ والورسُ (٢). وقد قيلَ: إنَّ المرادَ بالتُّرابِ هاهُنا تربةُ الأرضِ التي لا ماءَ عليها. فأمَّا ما كانَ عليهِ ماءٌ؛ فإنَّهُ مسكٌ، كما سَبَقَ. وسَبَقَ أيضًا في بعضِ الرِّواياتِ: حشيشُها الزَّعفرانُ (٣)، وهوَ نباتُ أرضِها وترابِها. فأمَّا حديثُ "ترابُها المسكُ": فقد قيلَ: إنَّهُ محمولٌ على تراب يُخالِطُهُ الماءُ، كما تَقَدَّمَ. وقيلَ: إن المرادَ أن ريحَ ترابِها ريحُ المسكِ ولونُهُ لونُ الزَّعفرانِ. ويَشْهَدُ لهذا حديثُ الكوثرِ أن حالَهُ المسكُ الأبيضُ، فريحُهُ ريحُ المسكِ، ولونُهُ مشرقٌ لا يُشْبِهُ لونَ مسكِ الدُّنيا، بل هو أبيضُ، وقد يَكونُ منهُ أبيضُ ومنهُ أصفرُ. واللهُ أعلمُ.

وفي "صحيح مسلم" (٤) مِن حديثِ أبي سَعيدِ؛ أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَألَ ابنَ صَيَّادِ عن تربةِ الجنَّةِ، فقالَ: دَرْمَكَةٌ (٥) بيضاءُ مسكٌ خالصٌ، فصَدَّقَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. وفي روايةٍ أن ابنَ صَيَّادٍ سَألَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وصَدَّقَهُ.

وفي "المسند" والتِّرْمِذِيِّ: عن البَراءِ بن عازِبِ (٦)؛ أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "تربةُ الجنَّةِ دَرْمَكَةٌ". ثمَّ سَألَ اليهودَ، فقالوا: خبزةٌ. فقالَ: "الخبزُ مِن الدَّرْمَكِ" (٧).


(١) في خ: "قال أبو العتاهية"، وهو تحريف بيّن صوابه ما جاء في م ون وط.
(٢) في بعض طرق حديث أبي هريرة الحسن بشواهده الذي صدر المصنّف يرحمه الله به المجلس.
ولهذا اللفظ شواهد عند: ابن المبارك (١٣٦٨)، وابن أبي شيبة (٣٣٩٤٦)، وأحمد في "السنّة" (٣٨٤)، وهنّاد في "الزهد" (٤٦). فهو أيضًا حسن بشواهده.
(٣) وتقدم بيان أنها موضوعة (ص ٦٨).
(٤) (٥٢ - الفتن، ١٩ - ذكر ابن صياد، ٤/ ٢٢٤٣/ ٢٩٢٨)؛ الروايتين.
(٥) الدرمك: الدقيق الخالص البياض.
(٦) وهم يرحمه الله، وإنّما هو عندهما من حديث جابر بن عبد الله كما سيأتيك.
(٧) (حسن بطرقه). رواه: أحمد (٣/ ٣٦١)، والترمذي (٤٨ - التفسير، ٧ - المدثر، ٥/ ٤٢٩ / ٣٣٢٧)، والبزار (المدثر ٣٠ - ابن كثير)، وأبو نعيم في "الجنّة" (١٥٣ و ١٥٩)؛ من طريق مجالد، عن =

<<  <   >  >>