للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والذي تَجْتَمعُ بهِ هذهِ الأحاديثُ كلُّها أن تربةَ الجنَّةِ في لونها بيضاءُ، ومنها ما يُشْبِهُ لونَ الزَّعفرانِ في بهجتِهِ وإشراقِهِ، وريحُها ريحُ المسكِ الأذفرِ الخالصِ، وطعمُها طعمُ الخبزِ الحُوَّارَى الخالصِ، وقد يَخْتَصُّ هذا بالأبيضِ منها. فقدِ اجْتَمَعَتْ لها الفضائلُ كلُّها، [لا حَرَمَنا اللهُ تَعالى ذلكَ برحمتِهِ وكرمِهِ].

• وقولُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "مَن يَدْخُلُها يَنْعَمُ لا يَبْأسُ ويَخْلُدُ لا يَموتُ، لا تَبْلى ثيابُهُم ولا يَفْنى شبابُهُم": إشارةٌ إلى بقاءِ الجنَّةِ وبقاءِ جميعِ ما فيها مِن النَّعيمِ، وأنَّ صفاتِ أهلِها الكاملةَ مِن الشَّبابِ لا تتَغَيَّرُ أبدًا، وملابسُهُمُ التي عليهِم مِن الثِّيابِ لا تَبْلى أبدًا.

وقد دَلَّ القرآنُ على مثلِ هذا في مواضعَ كثيرةٍ: كقولِهِ تَعالى: {وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ} [التوبة: ٢١]. وقولِهِ: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} [الرعد: ٣٥]. وقولِهِ: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} في مواضعَ كثيرةٍ.

وفي "صحيح مسلم" (١): عن أبي هُرَيْرَةَ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ قالَ: "مَن يَدْخُلُ الجنَّةَ يَنْعَمُ لا يَبْأسُ؛ لا تَبْلى ثيابُهُ، ولا يَفْنى شبابُهُ".

وفيهِ أيضًا (٢): عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ قالَ: "إذا دَخَلَ أهلُ الجنَّةِ الجنَّةَ؛ نادى منادٍ: إنَّ


= الشعبي، عن جابر … رفعه. قال الترمذي: "غريب، إنّما نعرفه من هذا الوجه من حديث مجالد".
وقال البزّار: "لا يعرف إلا من حديث مجالد". قلت: بلى؛ سيأتي من حديث غيره. وقال الهيثمي (١٠/ ٤١٥): "إسناده حسن"، وقال (١٠/ ٤٠٢): "رجال الصحيح غير مجالد ووثّقه غير واحد". قلت: هو ليّن.
ورواه ابن أبي حاتم (المدّثّر ٣٠ - ابن كثير) من طريق مسلسلة بالثقات، عن الحارث، عن عامر، عن البراء … رفعه. قال ابن كثير: "كذا وقع عند ابن أبي حاتم والمشهور عن جابر بن عبد الله". قلت: الحارث ما عرفته، وأشار محقّق "الجنة" لأبي نعيم إلى أنّه تحريف لحريث، وهو ابن أبي مطر، وهذا محتمل جدًّا، والسند ضعيف على كلّ حال لضعف الحريث.
ورواه: ابن أبي الدنيا في "الجنة" (٦)، وأبو الشيخ في "العظمة" (٥٩٩)، وأبو نعيم في "الجنّة" (١٥٢ و ١٥٦)؛ من طريق ابن أبي نجيح، [عن أبي موسى، ووقع في العظمة عن الزبير بن موسى عن أبيه وهو خطأ]، عن جابر … رفعه. وهذا سند حسن، ولكنه جاء مختصرًا دون سؤال اليهود.
وأخلص من هذا كله إلى أنّ السياق المذكور حسن بمجموع الطريقين الأوليين، وقطعة تربة الجنّة صحيحة بطرقها والشاهد المتقدم عند مسلم، وقد مال ابن كثير والترمذي إلى تقوية الحديث وضعّفه الألباني.
(١) (٥١ - الجنة، ٨ - دوام نعيم أهلها، ٤/ ٢١٨١/ ٢٨٣٦).
(٢) (الموضع السابق، ٤/ ٢١٨٢/ ٢٨٣٧) من حديث أبي هريرة وأبي سعيد.

<<  <   >  >>