للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد قيلَ: إنَّ الخضرَ ليسَ مِن نباتِ الرَّبيعِ عندَ العربِ، إنَّما هوَ مِن كلإ الصَّيفِ بعدَ يبسِ العشبِ وهيجِهِ واصفرارِهِ، والماشيةُ مِن الإبلِ لا تَسْتكْثِرُ منهُ، بل تَأْخُذُ منهُ قليلًا قليلًا، ولا تَحْبَطُ بطونُها عنهُ.

فهذا مثلُ المؤمنِ المقتصدِ مِن الدُّنيا؛ يَأْخُذُ مِن حلالِها - وهوَ قليلٌ بالنِّسبةِ إلى حرامِها - قدرَ بلغتِهِ وحاجتِهِ، ويَجْتَزِئُ مِن متاعِها بأدونِهِ وأخشنِهِ، ولا يَعودُ إلى الأخذِ منها إلَّا إذا نَفِدَ ما عندَهُ وخَرَجَتْ فضلاتُهُ، فلا يوجِبُ لهُ هذا الأخذُ ضررًا ولا مرضًا ولا هلاكًا، بل يَكونُ ذلكَ بلاغًا لهُ يَتَبَلَّغُ بهِ مدَّةَ حياتِهِ ويُعينُهُ على التَّزوُّدِ لآخرتهِ. وفي هذا إشارةٌ إلى مدحِ مَن أخَذَ مِن حلالِ الدُّنيا بقدرِ بلغتِهِ وقَنِعَ بذلكَ:

كما قالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "قد أفْلَحَ مَن هَداهُ اللهُ إلى الإسلامِ وكانَ عيشُهُ كفافًا فقَنِعَ بهِ" (١).

وقالَ - صلى الله عليه وسلم -: "خيرُ الرِّزقِ ما يَكْفي " (٢).


(١) رواه مسلم (١٢ - الزكاة، ٤٣ - الكفاف، ٢/ ٧٣٠/ ١٠٥٤) من حديث ابن عمرو.
(٢) (حسن لشواهده). رواه: وكيع في "الزهد" (١١٨ و ٣٣٩)، ونعيم في "الفتن" (٤٠٢)، وابن أبي شيبة (٣٤٣٦٦)، وأحمد في "المسند" (١/ ١٧٢ و ١٨٠ و ١٨١) و"الزهد" (٥٣)، والدورقي في "مسند سعد" (٧٤)، وعبد بن حميد (١٣٧)، وأبو يعلى (٧٣١)، وأبو عوانة في "الصحيح" (٢٥٤٥ و ٤٧٠٤ - ترغيب)، والشاشي (١٨٣)، وابن الأعرابي في "الزهد" (٩٥)، وابن حبّان (٨٠٩)، والطبراني في "الدعاء" (٨٨٣)، والعسكري في "الأمثال" (٤٥٨ - مقاصد)، والقضاعي في "الشهاب" (١٢١٨ - ١٢٢٠)، والبيهقي في "الشعب" (٥٥٢ و ٥٥٣ و ٥٥٤ و ١٠٣٦٩)، والأصبهاني في "الترغيب" (١٣٢٨)؛ من طرق، عن أُسامة بن زيد، عن محمّد بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة، عن سعد … رفعه. قال الهيثمي (١٠/ ٨٤): "فيه عبد الرحمن بن [أبي] لبيبة وقد وثّقه ابن حبّان وقال: روى عن سعد بن أبي وقّاص. قلت: وضعّفه ابن معين، وبقيّة رجاله رجال الصحيح". قلت: عبد الرحمن ليّن الحديث، وروايته عن سعد مرسلة، ولذلك قال النووي: "ليس بثابت".
ورواه: ابن حبّان في "المجروحين" (١/ ١٥٥)، وابن عدي (٣/ ١٠٩٨)، والذهبي في "الميزان" (١/ ١٤٨) تعليقًا، والعسقلاني في "اللسان" (١/ ٣١٦) تعليقًا؛ من حديث أنس … رفعه بنحوه. وفي طريق ابن حبّان محمّد بن أحمد بن الفضل القيسي كذّاب يضع، وفي طريق ابن عدي أبو داوود النخعي سليمان بن عمرو متّهم، ولذلك عدّه ابن حبّان وابن عدي والذهبي والعسقلاني والألباني في الموضوعات.
ورواه وكيع في "الزهد" (١١٥): ثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ قال: "خير الرزق الكفاف". وهذا مرسل ضعيف من أجل عنعنة مبارك.
ورواه أحمد في "الزهد" (١٢٥٢ - كشف الخفاء) عن زياد بن جبير، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ قال: "خير الرزق الكفاف". فإن صحّت الطريق إلى زياد فهو مرسل قويّ، ولكنّي لم أقف عليه في "الزهد" بعد طول بحث.

<<  <   >  >>