للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في "المسند": عن ابن عَبَّاسٍ، أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أتاهُ فيما يَرى النَّائمُ ملكانِ، فقَعَدَ أحدُهُما عندَ رأْسِهِ والآخرُ عندَ رجليهِ، فقالَ أحدُهُما للآخرِ: اضْرِبْ لهُ مثلًا. فقالَ: إنَّ مثلَهُ ومثلَ أُمَّتِهِ كمثلِ قومٍ سَفْرٍ، انْتَهَوْا إلى رأْسِ مفازةٍ، فلمْ يَكُنْ معَهُم مِن الزَّادِ ما يَقْطَعونَ بهِ المفازةَ ولا ما يَرْجِعونَ بهِ، فبينَما هُم كذلكَ إذْ أتاهُم رجلٌ في حلَّةٍ حبرةٍ فقالَ: أرَأيْتُمْ إنْ وَرَدْتُ بكُم رياضًا معشبةً وحياضًا رواءً؛ أتَتْبَعوني؟ قالوا: نعم. قالَ: فانْطَلَقَ بهِم فأوْرَدَهُم رياضًا معشبةً وحياضًا رواءً، فأكَلوا وشَرِبوا وسَمِنوا. فقالَ لهُم: ألَمْ ألْقَكُمْ على تلكَ الحالِ فجَعَلْتُمْ لي إنْ وَرَدْتُ بكُم رياضًا معشبةً وحياضًا رواءً أنْ تَتْبَعوني؟ قالوا: بلى. قالَ: فإنَّ بينَ أيديكُم رياضًا هيَ أعشبُ مِن هذهِ وحياضًا هيَ أروى مِن هذهِ، فاتْبَعوني. قالَ: فقالَتْ طائفةٌ: صَدَقَ واللهِ، لنَتْبَعَنَّهُ. وقالَتْ طائفةٌ: قد رَضِينا بهذا نُقيمُ عليهِ (١).

وقد خَرَّجَهُ ابنُ أبي الدُّنْيا وغيرُهُ عن الحَسَنِ مرسلًا بسياقٍ أبْسَطَ مِن هذا، وفيهِ أنَّهُم لمَّا رَتَعوا وسَمِنوا وأعْجَبَهُمُ المنزلُ؛ صاحَ بهِم فقالَ: ارْتَحِلوا؟ فإنَّ هذهِ الرَّوضةَ ذاهبةٌ، وإنَّ هذا الماءَ غائرٌ ذاهبٌ، وإنَّ أمامَكُم روضةً أعشبَ مِن هذهِ وماءً أرْوى مِن هذا الماءِ. فكَرِهَ ذلكَ عامَّةُ النَّاسِ وقالوا: ما نُريدُ بهذا بدلًا. وهُم أكثرُ النَّاسِ. وقالَ آخرونَ: واللهِ؛ إنَّ آخرَ قولِهِ كأوَّلِهِ، ارْتَحِلوا. فأبَوْا، فارْتَحَلَ قومٌ فنَجَوْا، ولمْ يَشْعُرِ الذينَ أقاموا حتَّى طَرَقَهُمُ العدوُّ ليلًا، فأصْبَحوا مِن بين قتيلٍ وأسيرٍ (٢).

الدُّنيا خضراءُ الدِّمنِ. ومعنى ذلكَ أن خضرتَها نابتةٌ على مزبلةٍ منتنةٍ. يا دنيَّ


(١) (صحيح لشواهده). رواه: أحمد (١/ ٢٦٧)، وعبد بن حميد (٦٦٧)، والبزّار (٢٤٠٧ - كشف)، والطبراني (١٢/ ١٦٩/ ١٢٩٤٠)؛ من طريق عليّ بن زيد بن جدعان، عن يوسف بن مهران، عن ابن عبّاس … رفعه. قال الهيثمي (٨/ ٢٦٣): "إسناده حسن". وضعّفه العسقلاني بابن جدعان. قلت: وابن مهران فيه جهالة وحديثه لا يعدو أن يكون صالحًا في الشواهد.
وله شاهد من حديث الحسن مرسلًا مختصرًا عند ابن أبي الدنيا وغيره يأتي بعده.
وله شاهد عند الحاكم (٤/ ٣٩٧) من حديث سمرة بن جندب مرفوعًا باللفظ نفسه بسند رجاله ثقات رجال البخاري وصحّحه الحاكم والذهبي على شرط الشيخين.
وحديث ابن عبّاس صحيح بهذا الشاهد. وإلى تقويته مال الهيثمي.
(٢) (صحيح لشواهده). انظر الحاشية السابقة.

<<  <   >  >>