للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فما أُخِذَ مِن الدُّنيا بنيَّةِ التَّقوِّي بهِ على طلبِ الآخرةِ فهوَ داخلٌ في قسمِ إرادةِ الآخرةِ والسَّعيِ لها لا في إرادةِ الدُّنيا والسَّعيِ لها.

قالَ الحَسَنُ: ليسَ مِن حبِّ الدُّنيا طلبُكَ ما يُصْلِحُكَ فيها، ومِن زهدِكَ فيها تركُ الحاجةِ يَسُدُّها عنكَ تركُها. ومَن أحَبَّ الدُّنيا وسَرَّتْهُ ذَهَبَ خوفُ الآخرةِ مِن قلبِهِ.

وقالَ سَعيدُ بنُ جُبَيْرٍ: متاعُ الغرورِ ما يُلْهيكَ عن طلبِ الآخرةِ، وما لمْ يُلْهِكَ فليسَ بمتاعِ الغرورِ، ولكنَّهُ بلاغٌ إلى ما هوَ خيرٌ منهُ.

وقالَ بعضُ العارفينَ: كلُّ ما أصَبْتَ مِن الدُّنيا تُريدُ بهِ الدُّنيا فهوَ مذمومٌ، وكلُّ ما أصَبْتَ منها تُريدُ [بهِ] الآخرةَ فليسَ مِن الدُّنيا.

وقالَ أبو سُلَيْمانَ: الدُّنيا حجابٌ عن اللهِ لأعدائِهِ ومطيَّةٌ موصلةٌ إليهِ لأوليائِهِ، فسُبْحانَ مَن جَعَلَ شيئًا واحدًا سببًا للاتِّصالِ بهِ والانقطاعِ عنهُ.

• والقسمُ الثَّاني: يُشْبِهُ حالُهُ حالَ البهائمِ التي تَرْعى ممَّا يُنْبِتُ الرَّبيعُ فيَقْتُلُها حَبَطًا أو يُلِمُّ، وهوَ مَن يَأْخُذُ المالَ بغيرِ حقِّهِ، فيَأْخُذُهُ مِن الوجوهِ المحرَّمةِ، فلا يَقْنَعُ منهُ بقليلٍ ولا بكثيرٍ ولا تَشْبَعُ نفسُهُ منهُ. ولهذا قالَ: "وكانَ كالذي يَأْكُلُ ولا يَشْبَعُ".

وكانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَعَوَّذُ مِن نفسٍ لا تَشْبَعُ (١).

وفي حديثِ: زَيْدِ بن ثابتٍ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَن كانَتِ الدُّنيا همَّهُ؛ فَرَّقَ اللهُ عليهِ أمرَهُ، وجَعَلَ فقرَهُ بينَ عينيهِ، ولمْ يَأْتِهِ مِن الدُّنيا إلَّا ما كُتِبَ لهُ" (٢)، فمَن كانَ فقرُهُ بينَ


= من المقدام، فقال الإسماعيلي: "بينه وبين المقدام جبير بن نفير"، وردّه العسقلاني بقوله: "حديثه عن المقدام في "صحيح البخاري"". قلت: لو سلّمنا بأنّه لم يسمع منه فقد عرفت الواسطة بينهما وهي ثقة ثبت، فعاد السند صحيحًا متّصلًا. وقد صحّحه المنذري وابن كثير والهيثمي والسيوطي والمناوي والألباني.
(١) رواه مسلم (٤٨ - الذكر، ١٨ - التعوّذ من شرّ ما عمل، ٤/ ٢٠٨٨/ ٢٧٢٢) عن زيد بن أرقم.
(٢) (صحيح). قطعة من حديث "نضّر الله امرأ … " المشهور الذي رواه: أحمد في "المسند" (٥/ ١٨٣) و"الزهد" (١٨٠)، والدارمي (١/ ٧٥)، وابن ماجه (٣٧ - الزهد، ١٢ - الهمّ بالدنيا، ٢/ ١٣٧٥/ ٤١٠٥)، وأبو داوود (١٩ - العلم، ١٠ - فضل نشر العلم، ٢/ ٣٤٦/ ٣٦٦٠)، والترمذي (٤٢ - العلم، ١٧ - الحثّ على التبليغ، ٥/ ٣٣/ ٢٦٥٦)، وابن أبي عاصم في "السنّة" (٩٤) و"الزهد" (١٦٣)، والنسائي في "السنن الكبرى" (٣٦٩٤ - تحفة)، وابن أبي حاتم في "الجرح" (٢/ ١٠)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (٢/ ٢٣٢)، وابن حبّان (٦٧ و ٦٨٠)، والطبراني (٥/ ١٤٣/ ٤٨٩٠ و ٤٨٩١)، والرامهرمزي في "المحدّث" =

<<  <   >  >>