للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمَّا البروزُ للشَّمسِ تعبُّدًا بذلكَ مطلقًا؛ فغيرُ مشروعٍ؛ فإنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ لأبي إسْرائيلَ لمَّا رَآهُ قائمًا في الشَّمسِ، فأمَرَهُ أنْ يَجْلِسَ ويَسْتَظِلَّ، وكانَ نَذَرَ أنْ يَقومَ في الشَّمسِ معَ الصَّومِ، فأمَرَهُ أنْ يُتِمَّ صومَهُ فقطْ (١).

وإنَّما يُشْرَعُ البروزُ للشَّمسِ للمحرمِ، كما قالَ ابنُ عُمَرَ لمحرمٍ رَآهُ قدِ اسْتَظَلَّ: اضْحَ لمَن أحْرَمْتَ لهُ. أي: ابْرُزْ إلى الضُّحَى، وهوَ حرُّ الشَّمسِ (٢).

كانَ بعضُهُم لا يَسْتَظِلُّ في إحرامِهِ، فقيلَ لهُ: لو أخَذْتَ بالرُّخصةِ، فأنْشَدَ:

ضَحَيْتُ لَهُ كَيْ أسْتَظِلَّ بظِلِّهِ … إذا الظِّلُّ أضْحى في القِيامَةِ قالِصا

فوا أسَفا إنْ كانَ سَعْيُكَ خائِبًا … ووا أسَفا إنْ كانَ حظُّكَ ناقِصا (٣)

وممَّا يُؤْمَرُ بالصَّبرِ فيهِ على حرِّ الشَّمسِ: النَّفيرُ للجهادِ في الصَّيفِ، كما قالَ تَعالى عن المنافقينَ: {وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} [التوبة: ٨١]. وكذلكَ المشيُ إلى المساجدِ للجمعِ والجماعاتِ وشهودِ الجنائزِ ونحوِها مِن الطَّاعاتِ. والجلوسُ في الشَّمسِ لانتظارِ ذلكَ حيثُ لا يوجَدُ ظلٌّ.

خَرَجَ رجلٌ مِن السَّلفِ إلى الجمعةِ، فوَجَدَ النَّاسَ قد سَبَقوهُ إلى الظِّلِّ، فقَعَدَ في الشَّمسِ، فناداهُ رجلٌ مِن الظِّلِّ أنْ يَدْخُلَ إليهِ، فأبى أنْ يَتَخَطَّى النَّاسَ لذلكَ، ثمَّ تَلا: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان: ١٧] (٤).


= فالأوّل ضعيف، والآخر شديد الضعف، واجتماعهما لا يكسب هذه الحادثة قوّة، ولفظة "بطّال" بهذا المعنى من محدثات الصوفيّة. والله أعلم.
(١) رواه البخاري (٨٣ - الأيمان، ٣١ - النذر فيما لا يملك، ١١/ ٥٨٦/ ٦٧٠٤) من حديث ابن عبّاس.
(٢) البروز للشمس: الخروج من الخيام ونحوها. فيستحبّ لأهل الموقف أن يخرجوا من الخيام ويخلصوا التوجّه إلى الله ويرفعوا أيديهم ويجاروا بالدعاء. ولا بأس على المحرم أن يستظل في ذلك الموقف بفيء شجرة أو بمظلّة أو منديل يلقيه على غصن شجرة أو نحو ذلك. فالضّحاء للشمس والبروز لها لا يستلزمان الوقوف تحت أشعّتها المباشرة ولا ينافيان طلب الفيء. فتنبّه.
(٣) إن كان معتادًا على طول الوقوف تحت أشعّة الشمس المباشرة ويعلم من نفسه القدرة والتحمّل؛ فلا بأس عليه، وإن كان يعلم أنّه سينهار تحت وطأة هذا الحرّ؛ فإنّه لا يأمن أن يناله بعض إثم لفعله. وقد قال - صلى الله عليه وسلم - لبعض أصحابه: "من أمرك أن تعذّب نفسك".
(٤) وهذا كالذي قبله سواء.

<<  <   >  >>