للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورُوِيَ عن أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّهُ كانَ يَصومُ في الصَّيفِ ويُفْطِرُ في الشِّتاءِ (١).

ووَصَّى عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنهُ عندَ موتهِ ابنَهُ عَبْدَ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهُ فقالَ لهُ: عليكَ بخصالِ الإيمانِ، وسَمَّى أوَّلَها الصَّومَ في شدَّةِ الحرِّ في الصَّيفِ (٢).

قالَ القاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ: كانَتْ عائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عنها تَصومُ في الحرِّ الشَّديدِ. قيلَ لهُ: ما حَمَلَها على ذلكَ؟ قالَ: كانَتْ تُبادِرُ الموتَ (٣).

وكانَ مُجَمِّعٌ التَّيْمِيُّ يَصومُ في الصَّيفِ حتَّى يَسْقُطَ.

كانَتْ بعضُ الصَّالحاتِ تَتَوَخَّى أشدَّ الأيَّامِ حرًّا فتَصومُهُ، فيُقالُ لها في ذلكَ، فتَقولُ: إنَّ السِّعرَ إذا رَخُصَ اشْتَراهُ كلُّ أحدٍ. تُشيرُ إلى أنَّها لا تُؤْثِرُ إلَّا العملَ الذي لا يَقْدِرُ عليهِ إلَّا القليلُ مِن النَّاسِ لشدَّتِهِ عليهِم. وهذا مِن علوِّ الهمَّةِ (٤).

كانَ أبو موسى الأشْعَرِيُّ رَضِيَ اللهُ عنهُ في سفينةٍ، فسَمعَ هاتفًا يَهْتِفُ: يا أهلَ المركبِ! قِفوا! يَقولُها ثلاثًا. فقالَ أبو موسى: يا هذا! كيفَ نَقِفُ؟ أما تَرى ما نحنُ فيهِ؟ كيفَ نَسْتَطيعُ وقوفًا؟ فقالَ الهاتفُ: ألا أُخْبِرُكُمْ بقضاءٍ قَضاهُ اللهُ على نفسِهِ؟ قالَ: بلى؛ أخْبِرْنا. قالَ: فإنَّ الله قَضى على نفسِهِ أنَّهُ مَن عَطَّشَ نفسَهُ للهِ في يومٍ حارٍّ كانَ حقًّا على اللهِ أنْ يُرْوِيَهُ يومَ القيامةِ. فكانَ أبو موسى يَتَوَخَّى ذلكَ اليومَ الحارَّ الشَّديدَ الحرِّ الذي


(١) (موقوف واه). رواه أحمد في "الزهد" (٥٨٥) عن أبي بكر بن حفص، ذكر لي أنّ أبا بكر … إلخ. وهذا منقطع أو معضل! وأبو بكر رضي الله عنه فأتبع هذه الأُمّة للسنّة وأبعدها عن التعمّق.
(٢) (موقوف ضعيف). سيأتي بطوله وتفصيل القول فيه (ص ٧٠٧).
(٣) فتأمّل الفرق العظيم بين هذا وبين ما قبله وبعده! فالسيّدة عائشة رضي الله عنها كانت تصوم في الشتاء، فإذا جاء الصيف حافظت على ما اعتادته من الصيام ولم تقطعه خشية أن يأتيها الموت قبل مجيء الشتاء التالي، فحريّ أن يضاعف أجرها في مثل هذه الحال؛ لأنّ الأجر على قدر المشقّة. وأمّا من اختصّ أشدّ أيّام الصيف حرارة بالصوم تعمّقًا وتشديدًا؛ فإنّه بعيد عن هذا المعنى، وحريّ أن يقال له: "ومن أمرك أن تعذّب نفسك"، أو يقال له ما قاله - صلى الله عليه وسلم - للرجل الذي أنهكه الصوم في السفر: "ليس من البرّ الصيام في السفر".
(٤) إن كان لها ولمن قبلها عادة في صوم مؤقّت مشروع كصوم الاثنين والخميس ونحوه فحافظا عليه في الصيف على شدّة الحرّ وطول النهار؛ فهو من علوّ الهمّة … وإن توخّيا التشديد في الصيف على الخصوص؛ فلا يخلو هذا من تنطّع ومخالفة للحنيفيّة السمحة وسيرة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الكرام.

<<  <   >  >>