للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِيُفْطِرَ، فقالَ: أغَرَبَتِ الشَّمسُ؟ قالوا: لا، فأبى أنْ يُفْطِرَ، ثمَّ أتَوْهُ بماءٍ وقدِ اشْتَدَّ نزعُهُ، فأوْمَأ إليهِم: أغَرَبَتِ الشَّمسُ؟ قالوا: نعم، فقَطَّروا في فيهِ قطرةً [مِن ماءٍ]، ثمَّ ماتَ.

واحْتُضِرَ إبْراهيمُ بنُ هانيء صاحبُ الإمام أحْمَدَ وهوَ صائمٌ، وطَلَبَ ماءً، وسَألَ: أغَرَبَتِ الشَّمسُ؟ قالوا: لا، وقالوا لهُ: قد رُخِّصَ لكَ في الفرضِ وأنتَ متطوِّعٌ، قالَ: أمْهِلـ[ـوا]، ثمَّ قالَ (١): {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافات: ٦١]، ثمَّ خَرَجَتْ نفسُهُ وما أفْطَرَ.

الدُّنْيا كلُّها شهرُ صيامِ المتَّقينَ، وعيدُ فطرِهِم يومَ لقاءِ ربِّهِم، ومعظمُ نهارِ الصِّيامِ قد ذَهَب، وعيدُ اللقاءِ قدِ اقْتَرَب.

وَقَدْ صُمْتُ عَنْ لَذَّاتِ دَهْرِيَ كُلِّها … وَيَوْمَ لِقاكُمْ ذاكَ فِطْرُ صِيامي

لمَّا كانَ الصِّيامُ سرًّا بينَ العبدِ وربِّهِ؛ اجْتَهَدَ المخلصونَ في إخفائِهِ بكلِّ طريقٍ حتَّى لا يَطَّلعَ عليهِم أحدٌ.

قالَ بعضُ الصَّالحينَ (٢): بَلَغَنا عن عيسى بن مَرْيَمَ عليهِ السَّلامُ أنَّهُ قالَ: إذا كانَ يومُ صومِ أحدِكُم؛ فَلْيَدْهُنْ لحيتَهُ ويَمْسَحْ شفتيهِ مِن دُهنِهِ حتَّى يَنْظُرَ إليهِ النَّاظرُ فيَظُنَّ أنَّهُ ليسَ بصائمٍ.

وعنِ ابن مَسْعودٍ؛ قالَ: إذا أصبَحَ أحدُكُم صائمًا؛ فلْيَتَرَجَّلْ (يَعْني: يُسَرِّحْ شعرَهُ ويَدْهُنُهُ)، وإذا تَصَدَّقَ بصدقةٍ عن يمينِهِ؛ فلْيُخْفِها عن شمالِهِ، وإذا صَلَّى تطوُّعًا؛ فلْيُصَليِّ في داخلِ بيتِهِ.

وقالَ أبو التَّيَّاحِ: أدْرَكْتُ أبي ومشيخةَ الحيِّ، إذا صامَ أحدُهُمُ؛ ادَّهَنَ ولَبِسَ صالحَ ثيابِهِ.

صامَ بعضُ السَّلفِ أربعينَ سنةً لا يَعْلَمُ بهِ أحدٌ: كانَ لهُ دكَّانٌ، فكانَ كل يومٍ يَأْخُذُ مِن بيتِهِ رغيفينِ ويَخْرُجُ إلى دكَّانِهِ فيَتَصَدَّقُ بهِما في طريقِهِ، فيَظُنُّ أهلُهُ أنَّهُ يَأْكُلُهُما في السُّوقِ، ويَظُنُّ أهلُ السُّوقِ أنَّهُ قد أكَلَ في بيتِهِ قبلَ أنْ يَجيءَ.


(١) في م: "فقال أجل ثمّ قال"، وما بين الحاصرتين من ط.
(٢) في خ: "بعض السلف"، والأولى ما أثبتّه من م وط.

<<  <   >  >>