للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمريكيين والإنجليز في الشرق. إن المدارس الفرنسية تتبع سياسة واحدة دائمة وقيادة واحدة في الأكثر. هذه المدارس الفرنسية لا تسعى إلى استغلال النشاط القومي في تعليم أهل البلاد ولا هي تسعى إلى إبراز الخصائص الوطنية حيث تفتح أبوابها لأبناء البلاد التي تكون فيها، ولكنها تجهد في أن تجعل من أبناء البلاد الذين تعلمهم، سواء أكانت تلك البلاد مراكش أو مصر أو إيران أو الهند - الصينية، أشباهًا لأبناء فرنسا نفسها في المظهر واللغة وأسلوب التفكير والتعلق بِفِرَنْسَا المُسْتَعَمِرَةِ.

وللمدارس الفرنسية المذكورة منهاج خاص موحد تسير عليه مصنوع في غير البلاد التي تقوم فيها. إنه منهاج افرنسي استعماري في كل شيء. من المشهور أن طلاب المدارس الفرنسية يعرفون جغرافية فرنسا وتاريخها بتفصيل أوفى من التفصيل الذي يعرفون به بلادهم. إنهم يعرفون هضاب فرنسا وروافد أنهارها ويعرفون مفردات الصادرات منها والواردات إليها معرفة دقيقة، ثم هم يقرأون من تاريخ فرنسا ما لا يقرأون من تاريخ بلادهم. وإذا نحن استعرضنا الكتب التي تدرس في تلك المدارس ألفيناها الكتب التي تدرس في فرنسا نفسها. تلك كانت الحال أيضًا في لبنان قبل زوال الانتداب الافرنسي. ومع ذلك فإن هنالك جهودًا كثيرة مبذولة اليوم للحيلولة دون تبديل تلك السياسة. إن في لبنان اليوم معركة حامية الوطيس حول تبديل المناهج وتعديلها وحول رقابة الحكومة اللبنانية على ميزانيات تلك المدارس وعلى دخول المفتشين اللبنانيين إليها. ولولا أن في تلك المدارس نفرًا من المدرسين الوطنيين الذين امتلأت صدورهم بالعزة الوطنية (لأن عددًا كبيرًا من المدرسين في تلك المدراس من الرهبان الأجانب أو من الأجانب غير الرهبان) لما أمكن أن ينشأ في لبنان تعاون بين أساتذة المدارس المختلفة في سبيل المعلم اللبناني وفي سبيل خير التعليم في لبنان.

الحُرُوبُ الصَّلِيبِيَّةُ:

من الأمور التي أصبحت معروفة في أسباب الحروب الصليبية أن تلك الأسباب كانت في ظاهرها دينية، غايتها تخليص بيت المقدس من يد المسلمين، بينما كانت في حقيقتها سبيلاً للسيطرة على الشرق الإسلامي بما فيه من خيرات اقتصادية ومراكز حربية.

وأوجز (رشتر) فقال (١): «جَهَدَ الصَّلِيبِيُّونَ طِوَالَ قَرْنَيْنِ لاِسْتِعَادَةِ الأَرْضِ


(١) Richter ١٤

<<  <   >  >>