إننا نعلم علم اليقين أن حربًا كالحرب العالمية الأولى (١٩١٤ - ١٩١٨) لا يمكن أن تثور في سبيل التبشير وحده، بل يجب أن يرجع نشوبها إلى عوامل اقتصادية وسياسية بحت. ولكن ثمت شيئين يثيران اهتمامنا نحن في كتابنا هذا، أولهما أن الدول المتحاربة لا تتورع في سبيل ظفرها عن أن تستفيد من كل حزب وجماعة، ولذلك استغل المبشرون أحوال الحرب فاستفادوا من الحرب بطريقة غير مباشرة. وثاني ذينك الشيئين أن الدول التي تبغي الاستعمار إنما تبغيه في الشرق، لما في الشرق من الثروات الاقتصادية والمراكز الحربية. ولقد اتفق أن يكون العنصر الإسلامي من أقوى العناصر التي تدافع في الشرق كل مستعمر بكل سبيل. ولذلك اتفقت غايات الحروب الاستعمارية وغايات التبشير وتوحدت في حروب تثار ظاهرًا باسم الاقتصاد والسياسة وباطنًا للاستعمار وللقضاء على العناصر التي تجعل استغلال الشرق مستحيلاً.
ولا تزال أوروبا إلى اليوم تنظر إلى جميع حروبها نظرة دينية. إن إنجلترا المسيحية لا تحارب اليونان المسيحية لأن اليونان ألقت بقيادها إلى إنجلترا، ولا يمكن لملك اليونان الإنجليزي النسب أن يعارض السياسة الإنجليزية في البلقان كله وفي اليونان خاصة (١). وإذا اتفق أن حاربت إنجلترا المسيحية إيطاليا أو ألمانيا فلأن ميدان النزاع يكون حينئذٍ اقتصاديًا استعماريًا.
من أجل ذلك لم يكن «إثارة الحرب» بين الدول الكبرى دائمًا وسيلة عملية للمبشرين لأنها قد تقود إلى إضعاف دولة مسيحية. وهكذا انصرف المبشرون إلى البحث عن أمر آخر يكون أقرب تحقيقًا لأهدافهم فوقعوا على «إثارة الفتن والاضطرابات». وإذا نحن أدركنا أن الصلة كانت بين السياسيين وبين المبشرين وثيقة دائمًا لم نستغرب أن تنتهز الدول المستعمرة مثل هذه الفرصة للتدخل في الشرق.