بل سَخَّرَهُ أيضًا لأغراض المعاهد التعليمية الفرنسية ثم تحيز لها تحيزًا مفرطًا جعلها في الحقيقة صاحبة «امتياز»، أو صاحبة «احتكار» على الأصح. قال (١): «إِنَّ النُّظُمَ العَدِيدَةَ التِي وَضِعَتْ فِي سُورِيَّةَ فِي عَهْدِ الاِنْتِدابِ الفِرَنْسِيِّ إِنَّمَا كَانَتْ وُضِعَتْ تَنْفِيذًا لِسِيَاسَةٍ مَرْسُومَةٍ بِوُضُوحٍ وَإِتْقَانٍ. وَنَسْتَطِيعُ أَنْ نَقُولَ إِنَّ غَايَةَ هَذِهِ السِّياسَةِ كَانَتْ تَأْمِينُ سَيْطَرَةِ الثَّقَافَةِ الفِرَنْسِيَّةِ وَالنُّظُمِ الفِرَنْسِيَّةِ عَلَى مَعَارِفِ البِلادِ سَيْطَرَةَ مُطْلَقَةً مِنْ غَيْرَ الْتِفَاتٍ إِلَى مَا تَتَطَلَّبُهُ أَصُولُ التَّرْبِيَةَ السَّلِيمَةِ وَالعِلْمِ الصَّحِيحِ. إِنَّهَا كَانَتْ تُعْطِي لِلُّغَةِ الفِرَنْسِيَّةِ وَلِلْشَّهَادَاتِ الفِرَنْسِيَّةِ اِمْتِيازَاتٍ هَامَّةٍ، وَتَتَحَيَّزُ لِلْمَعَاهِدِ التَّعْلِيمِيَّةِ الفِرَنْسِيَّةِ تَحَيُّزًا مُفْرِطًا، يَجْعَلُهَا أَحْيَانًا لَيْسَتْ صَاحِبَةَ اِمْتِيازٍ فَحَسْبَ بَلْ صَاحِبَةُ اِنْحِصَارٍ وَاِحْتِكَارٍ أَيْضًا».
بعدئذٍ يمضي ساطع الحصري مؤيدًا حكمه هذا بوقائع من نظم المعارف السورية في أيام الانتداب (ص ٦٩ إلى ٩٠).
وهكذا ترى بجلاء أن الانتداب الفرنسي قد سخر التعليم كله لأغراض المدارس التبشيرية: والمدارس الفرنسية منها خاصة.
التَّعْلِيمُ النِّسَائِيُّ خَاصَّةً:
إن للتعليم النسائي أهمية خاصة في بناء المجتمع. هذه الأهمية لم تغب طبعًا عن أعين المبشرين فأولوها عناية عظيمة. ولن يتعرض هنا لموضوع المرأة من التبشير، فذلك له فصل خاص، ولكن سيقتصر هذا الفصل على تعليم البنات فقط.
وكذلك نرى من إضاعة الوقت أن نعيد الكلام عن التعليم النسائي ما ذكرناه في باب تعليم الصبيان. من أجل ذلك سنقتصر في هذا الفصل أيضًا على ما هو خاص بتعليم البنات مما لم يرد في تعليم الصبيان.
لما جاء المبشرون إلى العالم العربي كان العلم بين الرجال قليل الانتشار، أما بين النساء فكان أقل انتشارًا. وأدرك المبشرون أن هذه حال لا يمكن أن تدوم، وإن المرأة ذات أثر في التربية أكثر من الرجل فأولوها اهتمامًا عظيمًا، حتى قال (جسب): «إِنَّ مَدْرَسَةَ
(١) " تقارير عن أحوال المعارف في سورية ": ص ٦٩ وما بعدها.