للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إِثَارَةُ الاِضْطِرَابَاتِ ثُمَّ اِسْتِغْلاَلُهَا:

على أن الدول الأجنبية لم يكن باستطاعتها أن تتدخل في شؤون الإمبراطورية العثمانية إذا كانت تلك الشؤون تسير في سبيلها طبيعيًا هادئًا. فلم يكن بد إذن من أن تثير تلك الدول الفتن والاضطرابات فتنال المطلب تلو المطلب. ولو أننا أحببنا أن نؤرخ المذابح التي أثيرت في الإمبراطورية العثمانية بين ١٨٤٠ و ١٨٦٠، أي مدى عشرين عَامًا فقط، لاحتجنا إلى كتاب كامل.

كانت إنجلترا وفرنسا تهتمان بسورية اهتمامًا شديدًا وتتنافسان عَلَنًا في سبيل تثبيت نفوذهما فيها. ونحب أن نستبق الحوادث فنقول: لما تدخلت الدول في شؤون جبل لبنان بعد فتنة عام ١٨٦٠ - على ما سيأتي - أراد (نابليون الثالث) أن يمد أجل بقاء الجيش الفرنسي في سورية، ولكن إنجلترا رفضت ذلك. ولما أصر (نابليون الثالث) على رأيه أعدت إنجلترا عشرة آلاف جندي في قبرص ومالطة وجبل طارق. ولو لم تسحب فرنسا جميع جنودها من سورية في الخامس من حزيران ١٨٦١ لأخرجتها إنجلترا بقوة السلاح (١).

من هنا يتبين لنا مقدار المنافسة في سبيل بلادنا ومدى استغلال الدول الأجنبية للحوادث. ونحن سنضرب صفحًا من ذكر المذابح التي أحدثتها الأصابع الأجنبية في جميع أنحاء الإمبراطورية العثمانية: في بلغاريا واليونان، وفي آسيا الصغرى بين الأرمن، تلك المذابح التي كانت تثيرها الدول الأجنبية بواسطة المبشرين (٢). وسنكتفي بحادثتين فقط نذكرهما في محلهما من هذا الفصل.

لقد كانت تركيا على حق في خوفها من المبشرين الذين لم يكونوا فقط يثيرون الفتن في إمبراطوريتها، بل كانوا يتجسسون لدولهم سياسيًا وعسكريًا (٣) وكذلك كانوا يفرقون السكان معسكرات، فقد كان الدروز مثلاً يعتمدون على حماية إنجلترا ويفضلون المدارس الأمريكية (٤). أما الموارنة فكانوا يَرَوْنَ حَلِيفَهُمْ الطَّبِيعِيَّ في فرنسا ويفضلون المدارس الفرنسية. وكانوا يتلقون السلاح من فرنسا أيضًا، فقد رسا عام ١٨٥٨ مركب حربي قرب طرابلس وأنزل أسلحة اشترى منها أهل طرابلس أنفسهم خمسمائة بندقية. ولما وصل الخبر إلى بيروت أرسلت الحكومة عشرة مدافع لحماية المدينة من هجوم قد يقوم


(١) Jessup ٢٠٩ f
(٢) cf. Jessup ٢٢١
(٣) cf. Jessup ٥٣٦ f
(٤) Jessup ١٥٧

<<  <   >  >>